اضحك مع العراقيين

TT

لكل عصر نكاته وسخريته الخاصة به. في عهد صدام حسين، شاع التنكيت على الدكتاتورية والبطش والقمع. ذهب ذلك العهد وجاء الآن عهد الحريات. وانطوت هذه الحريات على حرية السرقات والفساد، فتفتقت قرائح الظرفاء عن لون جديد من الفكاهة والسخرية يعبر عن روح العصر الجديد.

قالوا إن الأميركيين عرضوا مشروع بناء مستشفى للسرطان في العراق في مناقصة عالمية. تقدمت شركة يابانية بعطاء بمبلغ مليوني دولار. رفضه الأميركان. قالوا هذا كثير. جاءت شركة صينية وتقدمت بعطاء بمليون دولار فقط. قالوا هذا أيضا كثير. تقدم تاجر هندي لتنفيذ المشروع بنصف مليون. انكب الموظف الأميركي على التفكير في العرض الهندي. وفي حين كان يفكر فيه، تقدم إليه رجل أعمال عراقي بعطاء جديد بمبلغ مليونين ونصف المليون دولار. قال له الأميركي، أنت مجنون؟ لقد رفضنا كل هذه العطاءات التي هي أقل من عطائك، وأنت الآن تطرح لنا هذا الرقم، مليونان ونصف؟ أجابه المقاول العراقي، اسمع ولا تتسرع في الحكم.. من هذا المبلغ أعطيك مليونا لك، وأنا آخذ مليونا أتقاسمه مع المسؤولين العراقيين.. يبقى نصف مليون، نعطيه للتاجر الهندي لينفذ المشروع.

ورسا العطاء على المقاول العراقي. قبض المبلغ ولم ينفذ المشروع مدعيا أنه لم يستطع الحصول على عمال بسبب الإرهاب.

كم سمعنا عن العطالة في البلاد المفلسة. لكن العراق أعطانا بطالة عارمة في ظل أموال مكدسة. أذيع قبل أيام أن محافظ البصرة أعاد 83 % من ميزانية المحافظة إلى الحكومة المركزية لأنه لم يستطع أن يصرفها. لا أدري لماذا لم يستعمل المالكي مثل هذه الأنباء للإشادة بحكمه. فالمتوقع هنا هو أن يضع المحافظ هذا الفائض في جيبه ويسكت عنه. إنها بشرى خير. يوجد موظف في العراق لا يسرق. أثناء ذلك شاعت البطالة بين السكان. تقدم مهندس خريج لوظيفة.. قال له المدير أعطيك الوظيفة لكن تدفع لي عشرة في المائة من راتبك.. سمعا وطاعة. أخذ الأمر بالتعيين إلى المدير العام لتوقيعه. قال له هذا لا يصح، مدير الشعبة لا صلاحية له في تعيين موظفين.. هذه صلاحيتي. أنا أعينك على أن تعطيني عشرين في المائة من راتبك.. سمعا وطاعة. أخذ أمر التعيين لتوقيع الوزير. مزق الوزير أمر التعيين ورماه في سلة المهملات. المدير العام لا صلاحية له في التعيين. هذه صلاحية الوزير. أنا أعينك لكن لازم تحول ثلاثين في المائة من راتبك إلى حسابي في الخارج.. سمعا وطاعة. صدر الأمر أخيرا وأخذه الشاب ليباشر العمل. نظر رئيس المؤسسة في الكتاب ثم في وجه المهندس الشاب وقال له: عندك توصية من إحدى المرجعيات؟ قال لا. فقال له: آسف يا وليدي. كتاب الوزير هذا ما يمشي. لازم عندك أيضا توصية من مرجعية. أنا أحصل لك توصية لكن لازم تدفع لها خمسين في المائة من راتبك.

تأمل الشاب في الموضوع، عشرة زائد عشرين زائد ثلاثين زائد خمسين. المجموع 110 في المائة. يجب أن يدفع هو من جيبه عشرة في المائة ليعمل. عاد إلى بيته يعيش عالة على والديه ويقضي نهاره في التلاوات.