إسرائيل والقاع!

TT

في عالم مليء بالأمثلة العنصرية البغيضة التي تفرق بين الناس على أساس الانتماء العرقي أو لون البشرة أو اللكنة أو الانتماء المناطقي، تتميز إسرائيل بأنها تكرس، وبامتياز، وسائل مختلفة وخلاقة، فتارة تمنع مواطنيها من الخدمة في جيشها، إلا اليهود والدروز، مانعة المسلمين والمسيحيين والبهائيين والهندوس، وكل ذلك طبعا يأتي في سياق «تهويد» الدولة بشكل رئيسي، كما أعلن مؤخرا على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

ولكن اليوم أخذ هذا الاتجاه الكريه بعدا أوقع، فاليوم وبحسب الكاتب الإسرائيلي المؤثر جيديون ليفي في صحيفة «هآرتس» فإن مدينة صفد، أكثر مدينة عنصرية في إسرائيل. وصفد هي رابع أهم مدينة دينية في إسرائيل، ويزورها الكثيرون من ممارسي طقوس «القبالة» وهو أسلوب تعبد غنوصي لليهودية. وتقع صفد في منطقة الجليل، بالقرب من الحدود اللبنانية، ويأتي هذا التصنيف لها بعد أن أصدر حاخاماتها الثمانية عشر فتاوى دينية تأمر سكانها بعدم تأجير أو بيع البيوت لغير اليهود، وهو تعبير مبطن لمواطني البلاد من العرب الفلسطينيين، الذين يشكلون خمس تعداد السكان، وجاءت الفتوى بعد اجتماع عادل وطارئ للحاخامات، بعد ورود الأخبار أن نساء اليهود بدأن في الخروج مع الرجال العرب، وأن يهود صفد يواجهون «غزوا عربيا»، وهذا الغزو مرشح لأن يصبح وجودا وتكاثرا، بعد أن زاد عدد الطلبة في جامعة صفد الأكاديمية من العرب ليصبح 1300، ومرشح أن يزيد بعد الإعلان عن قرب فتح كلية للطب فيها، وجاءت لوحات وشعارات التنديد بالعرب، لتملأ المدينة عن طريق المتطرفين اليهود بعبارات مقززة مثل «الموت للعرب» و«اخرجوا من هنا»، حتى وصل الأمر للاعتداء الجسدي على بعضهم، وكذلك إطلاق النار عليهم، وواصلوا تهديداتهم لأصحاب العقارات أنفسهم، وصولا لرجل عمره 89 سنة، هددوه بحرق منزله لو استمر في تأجيره للعرب.

يتزعم هذا الحراك الموتور حاخام المدينة الأكبر شامونيل الياهو والمعين من قبل البلدية، ورأيه في تبرير ما يفعله عجيب، فهو يقول إنه عندما يأتي غير اليهودي، فإن السكان يخافون على أولادهم وبناتهم، فكثير من العرب سبق لهم أن واعدوا بنات «يهوديات». وهذه العداوات نفسها بدأت في الظهور في مدن أخرى داخل إسرائيل، وتحديدا في كرميل والناصر العليا في الجليل، وهما مدينتان أسستا منذ عقود كجزء من مخطط الدولة المعروفة «بالتهويد» للسكان في مناطق أغلب سكانها من العرب، ومعظم المسؤولين في هذه البلدات وهذه البرامج، ينتمون للحزب الإسرائيلي الفاشي المتطرف «إسرائيل بيتنا» وهو الحزب الموتور نفسه الذي ينتمي إليه وزير الخارجية الإسرائيلي المثير للجدل أفيغدور ليبرمان، صاحب المواقف والألفاظ والتصريحات الوقحة.

وبدأت المجاميع المتطرفة داخل هذا الحزب في دعوة كتل من المستوطنين المتطرفين، خصوصا ممن اضطروا للخروج من غزة، لإنشاء «مراكز» لهم في الناصرة العليا بداية بـ3000 متدين يهودي، كما وصفوا، وذلك حتى «يضعوا حدا للتدهور الديموغرافي» للمنطقة.

عام 1948، عندما احتلت إسرائيل صفد كان تعداد السكان فيها 10 آلاف فلسطيني مقابل ألفين من اليهود، وبعدما تم طرد كل السكان الفلسطينيين بلا استثناء بمن فيهم صبي كان يبلغ من العمر وقتها 13 سنة باسم محمود عباس، وهو اليوم رئيس السلطة الفلسطينية. تاريخ المدينة يثير الرعب في نفوس سكانها الحاليين، فلدى الكثير منهم قناعات بأن تعداد السكان العرب الذي ارتفع «فجأة» هو بمثابة محاولة العرب غير المباشرة لاستعادة أرضهم بالأمر الواقع، وهي محاولة بديلة لتطبيق «حق العودة» الذي حرم منه الفلسطينيون في كل جولات مباحثات السلام.

الياهو، الحاخام الموتور، ليست هذه المرة الأولى التي يتهم فيها بالتشدد والعنصرية والعدوانية ضد العرب، ففي عام 2002 كانت له مواقف عدائية، وطالب صراحة بطرد الطلبة العرب من كلية صفد الجامعية، وبعدها بسنتين قام بحملة لمنع الزواج بين العرب واليهود، واعتبر الزواج بين العربي واليهودية بمثابة «إعلان حرب». هناك دعاوى واتهامات وطلبات للتحقيق ضده كلها تم تجميدها بشكل مريب.

إسرائيل تواصل إفرازها العنصري البغيض وممارساتها المريبة، لتثبت للعالم أنها دولة مارقة بامتياز على كل الأصعدة.

[email protected]