الطموح القطري.. إلى أين؟

TT

«قطر 2030» ليس مجرد شعار مستقبلي ترفعه الدوحة. هذا على الأقل ما تلمسه، لو حاولت أن تفهم قليلا ما يدور على جوانب السياسة بمعناها الضيق، وأنت تزور العاصمة القطرية. صحيح أن كثيرا من القطريين، وحتى من المقيمين، يذكرونك بأن أزمة لبنان حلت هنا ذات يوم، عندما أغلقت كل المنافذ ولعلعت لغة الرصاص والموت، وأن السودانيين والفلسطينيين لجأوا إلى الدوحة يوم أوصدت في وجههم سبل الحل. ولا تستغرب لو قيل لك، بكل اعتزاز، إن مشكلات العالم كله باتت تحل في قطر، لكن ثمة ما هو أبقى وأهم. فالسياسة قد تصيب أو تخيب، أما الثقافة فهي الرهان الرابح أبدا.

فإلى جانب الرياضة التي يقال إن قطر تريد أن تكون رائدتها في الخليج، وها هي تسعى جاهدة للفوز باستقبال كأس العالم 2022، ثمة رغبة هائلة في العمل على بناء قاعدة عمل ثقافي. الاستراتيجية تتضمن شقين، أحدهما: قصير المدى، عالي الصوت، والثاني: بعيد المدى يتم إنجازه بهدوء. من جانب، يستعان بخبرات خارجية رائدة في مضمارها لبناء مشروع ما، ثم يصار إلى جانبه تدريب قطريين للإمساك بمفاصل العمل بمرور الوقت. التحدي ليس سهلا، لكن أحد العالمين بالأمر يقول لك إنه في الفترة الأولى قد يستوعب أي مشروع نسبة 1% فقط من القطريين، لكن الزمن كفيل بتطوير العدد وتنمية المهارات، إلى جانب نخبة من أفضل الكفاءات الخارجية.

تركز قطر على السينما والمتاحف والتعليم بشكل أساسي، وبدأت محاولات لدخول عالم النشر، بعد أن استثمرت في الإعلام. «الجزيرة» ليست سوى البداية التي يراد أن يبنى على غرارها في مجالات أخرى، لا بل أفضل منها، حسب ما تفهم.

في ميدان السينما، تعمل قطر على ثلاثة محاور على الأقل. مهرجان سنوي كبير يجلب لها النجوم وأفلامهم اللامعة، وضجيجهم الإعلامي، إلى جانبه تعمل «شركة النور القابضة» على إنجاز إنتاجات هوليوودية تكتسب من خلالها سمعة عالمية. واختيارها فيلما عن حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) بتكلفة 450 مليون دولار كنقطة انطلاق، لا ينم عن براءة بقدر ما يدلل على رغبة ببداية قوية وصاخبة. عشرون فيلما على أعلى مستوى تخطط الشركة لإنتاجها خلال السنوات الخمس المقبلة.

فترة تكون خلالها «مؤسسة الدوحة للأفلام» قد اجتذبت الشباب، وهذا دورها الأساسي، لتدريبهم وتعليمهم على يد كبار الصناع السينمائيين - أحدهم روبيرت دي نيرو، على سبيل المثال لا الحصر - وبدأت أفلامهم تعرض، وأسماؤهم تعرف، و«مهرجان الدوحة» سيكون جاهزا، وقد اشتد عوده، ليعرض نتاجاتهم على مئات المتخصصين في المجال.

منذ سبعينات القرن الماضي وحتى سنوات قليلة خلت، لم يكن في قطر سوى متحفها الوطني بصيغته المتواضعة. هذا المتحف مغلق الآن ليفتتح بحلة تخرجه من محليته إلى العالمية، وإلى جانبه سيكون «متحف المستشرقين»، وآخر لـ«الفن الحديث» مع نهاية هذا العام. أما «متحف الفن الإسلامي» الذي صار مفتوحا للزوار، فقد جمعت له نوادر المقتنيات وأهمها على الإطلاق، أكبر عدد من أقدم نسخ للقرآن يصعب أن تراها في أي مكان آخر في العالم. وعلى خط مواز، يتم تأهيل كفاءات قطرية في مجال المتاحف لتتمكن من إدارة وقيادة هذه المؤسسات التي ستحوي كنوزا ثمينة.

لا يبدو أن قطر ستكتفي بالسينما والمتاحف. مجرد زيارة إلى «الحي الثقافي» الذي شيد على طراز معماري خليجي قديم مطعم بالحداثة وتعرف أن الفنون على أنواعها منتظرة هنا. دار للأوبرا، صالات للعرض التشكيلي، مسرح مفتوح على الفضاء، مؤسسة للصناعة السينمائية، وعشرات المباني الأنيقة الأخرى التي تنتظر أن تلعب دورها، ويصعب عليك أن تجد من يشرح لك ما سيصير إليه هذا المشروع الضخم بكليته، يوم يصبح ناجزا. فالحصول على المعلومات حتى لو كانت ثقافية، يبقى صعبا في قطر؛ لذلك تغادر وفي نفسك عشرات الأسئلة.

لا يفوتك وأنت تقرأ الخطة الوطنية المستقبلية المسماة «قطر 2030»، على الرغم من أنها تقتصر على الخطوط العريضة، أن تلحظ محاولة الدوحة الاستفادة من أخطاء الدول الخليجية التي تقدمتها في السباق. صحيح أن الأبراج المتعالية، التي تتزايد بسرعة كبيرة، توحي بمنافسة محمومة مع دبي، لكن الخطة تحذر من سرعة في معدلات النمو لا تتماشى مع قدرة الاقتصاد على التوسع الحقيقي. وثمة نقطة أخرى لافتة أيضا هي تأكيد «حجم ونوعية العمالة» الوافدة، التي يبدو أنها ستتجه نحو نخبوية أكبر، مع حرص على إيجاد التوازن بين الآثار السلبية التي يمكن أن تتركها العمالة على الهوية الوطنية والمنافع الاقتصادية المرتجاة منها.

توازنات صعبة ودقيقة تسعى لأن تحققها قطر، مستفيدة ممن سبقها. يبقى أن تلاقح التجارب الخليجية الجديدة، ينبت في كل مرة ثمرا قد يكون أكثر نضجا. وهو ثمر إن أينع، يعود بالفائدة على المنطقة كلها، وحتى على أولئك الذين ينهشهم الحسد، من نجاح تجربة هنا أو محاولة ناهضة هناك.

تخبرني زميلة كويتية أن شعارا بات يتردد، هو كالتالي: «كويت الأمس، دبي الحاضر، وقطر المستقبل». كلام لا يزال على محك التجريب، على الرغم من أن الكويتيين يناقشونه بكثير من الغصة، في مجالسهم وعلى مواقعهم الإلكترونية.

الهمة القطرية فياضة ومتوثبة، هذا لم يعد يحتاج إلى دليل، والسنوات القليلة المقبلة كفيلة بأن تخبرنا بالباقي.