الانفجار السكاني يهدد مستقبل الحياة في مصر

TT

أصدر المنتدى العربي للبيئة والتنمية خلال مؤتمره السنوي المنعقد في 4 و5 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ببيروت تحذيرا عن وضع المياه في مصر والعالم العربي. كما أكد الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري، أن مصر بالفعل دخلت «حيز الفقر المائي حيث بلغ نصيب الفرد من المياه ‏700‏ متر مكعب سنويا مقابل ‏2400‏ في عام ‏1959». وحذر الوزير المصري من أنه «إذا لم يتم التحرك السريع... فإن نصيب الفرد من المياه في عام ‏2050‏ سينخفض إلى ‏400‏ متر مكعب فقط». («الأهرام» 18/11/2010) فما هو التحرك السريع الذي يجب على مصر اتخاذه لإنقاذ البلاد من كارثة بيئية مؤكدة؟!

في محاولة للبحث عن علاج لهذه المشكلة اجتمع مجلس الوزراء المصري في 26 أكتوبر (تشرين الأول) للتفكير في سبل تحسين كفاءة استخدام المياه، كما نوقشت خطة وزارة الزراعة خلال السنوات العشر المقبلة، وتقرر زيادة إنتاج اللحوم الحمراء والأسماك والدواجن، وزيادة المحاصيل الزراعية الأساسية والخضراوات والفواكه. إلا أن هذا وحده لا يكفي، فمهما فعلت السلطات المصرية فلن يكون في وسعها مواجهة مطالب زيادة سكانية بمعدل مليونين وربع المليون نسمة كل عام.

ومصر هي أكثر الدول العربية تعدادا للسكان في الشرق الأوسط، حيث يبلغ عدد سكانها نحو 80 مليون نسمة. وفي تصريح لجريدة «الأهرام» قال اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إن النشرة السنوية لإحصاءات المواليد والوفيات خلال العام الماضي أشارت إلى أن عدد المواليد بلغ ‏ نحو مليونين و‏217‏ ألفا و‏409‏ بزيادة ‏1.8% عن العام الذي سبقه‏.‏ («الأهرام» 14/11 /2010) نتج عن هذه الزيادة المطردة لعدد السكان ظهور مشكلات اجتماعية وسياسية كثيرة، تتمثل في انتشار البطالة وانخفاض مستوى المعيشة وتزايد أزمة السكن إلى جانب عدم كفاية الإنتاج الزراعي والمياه. فرغم ارتفاع معدلات النمو في الاقتصاد فقد تراجعت مصر إلى المرتبة الـ 89 في مستوى الرفاهية بين 110 دول، كما بيّن التقرير الذي أصدره معهد «ليغاتوم» الدولي في 26 أكتوبر الماضي.

يرجع نقصان نصيب الفرد من المياه في مصر إلى عاملين: تقليص كمية المياه المتاحة لمصر بعد اتفاق دول حوض النيل في مايو (أيار) الماضي، والزيادة السريعة في عدد السكان في مصر نفسها. وحتى لو تراجعت دول حوض النيل عن قرارها بتخفيض حصة مصر من الماء، فلن يكون لهذا أثر كبير، حيث إن الأزمة المائية تفاقمت في مصر حتى قبل صدور هذا القرار وقبل وضعه موضع التنفيذ. فالسبب الرئيسي للمشكلة التي تواجهها مصر يرجع إلى الزيادة الكبيرة في عدد السكان. كان تعداد سكان مصر في عصر بناة الأهرامات منذ نحو 5 آلاف سنة، لا يزيد على مليوني نسمة. وخلال 3 آلاف عام تضاعف هذا العدد 4 مرات، ليصبح 8 ملايين نسمة أيام حكم الرومان للبلاد في بداية القرن الأول للميلاد. ثم تضاءل عدد السكان أيام الدولة العثمانية ليصبح 6.3 مليون نسمة في أول تعداد سكاني رسمي تم في مصر عام 1882. وعندما قامت ثورة الضباط الأحرار في 1952، كان تعداد المصريين قد وصل إلى 20 مليونا. إلا أنه منذ ذلك الحين تزايد عدد السكان بشكل سريع، فتضاعف 4 مرات في خلال 60 سنة فقط. ورغم تزايد تعداد السكان في مصر بهذا المعدل الكبير، لم تولِ مصر اهتماما كافيا لمشاريع تنظيم الأسرة، وكان المصريون يمتنعون عن تناول حبوب منع الحمل التي تقدمها لهم المعونة الأميركية منذ نحو ثلاثين عاما، اعتقادا منهم بوجود مؤامرة أميركية لإضعاف الشعب المصري، وكانوا يستخدمونها في غذاء الدجاج حتى يزيد وزنه.

مع أن مصر لديها رقعة كبيرة من الأرض تبلغ مساحتها 238 مليون فدان، فإن الغالبية العظمى من هذه الأرض صحراوية غير مزروعة وغير مأهولة بالسكان، ولا تزيد مساحة المنطقة المزروعة والمسكونة على 8.9 مليون فدان تتمثل في وادي النيل، أي الشريط الضيق الواقع على جانبي مجرى نهر النيل وأرض الدلتا. وفي ذات الوقت الذي تتحول فيه أجزاء كبيرة من الأرض الخصبة إلى مناطق سكنية لاستيعاب الزيادة المستمرة من السكان، أدى تغير عوامل الطبيعة إلى نقصان مساحة الأرض الزراعية في مصر بشكل منتظم. ورغم المحاولات المتعددة لزيادة رقعة الأرض المزروعة منذ مشروع مديرية التحرير في خمسينات القرن الماضي وحتى مشروع توشكي الأخير، فقد نقصت مساحة الأرض المزروعة ولم تزد. وكشف الدكتور عادل البلتاجي - رئيس مجلس البحوث والتنمية بوزارة الزراعة المصرية - أن الدراسات التي أعدتها مراكز الأبحاث وهيئة الاستشعار عن بعد رصدت تقلص مساحة الرقعة الزراعية بواقع 300 ألف فدان بالدلتا وفقدان 695 ألف فدان بالكامل على مستوى مصر، في الفترة من عام 1984 وحتى 2009، كما أكدت هذه الدراسات تناقص الرقعة الزراعية بمعدل 30 ألف فدان سنويا. («اليوم السابع» 16/11/2010) بعد أن كانت تصدر الفائض من غذائها أصبحت مصر الآن تستورد 62 % من الطعام بقيمة نحو 50 مليار دولار أميركي، بسبب التزايد الكبير في عدد سكانها. وإذا لم تتمكن السلطات المصرية من مواجهة هذه الزيادة بشكل جدي وسريع، فإن المستقبل سيكون صعبا إلى درجة شديدة الخطورة. فبسبب نقص المياه انهارت دولة الملوك العظام بناة الأهرامات منذ 4 آلاف ومائتي عام، نتيجة الجفاف الذي ساد البلاد مما نتج عنه قلة المحصول الزراعي. فقد مرت الحبشة بفترة انقطع فيها نزول الأمطار على جبالها، مما أدى إلى انقطاع فيضان النيل لسنوات كثيرة. مات الزرع وجاع البشر والحيوان لعدم توفر الماء، ولم تعد الحكومة المركزية قادرة على مواجهة مشكلات السكان، ففقدت الدولة القديمة سلطانها ودخلت البلاد في مرحلة من الجوع والانهيار الحضاري استمرت نحو مائة عام.