اختار لنا المفكر العربي الكبير أبو حيان التوحيدي بعض الأحاديث النبوية البليغة:
قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أصحابي كالملح في الطعام.. أهل القرآن أهل الله.. علق سوطك حيث يراه أهلك.. التواضع شرف المؤمن.. انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك.. خيانة الرجل في علمه أشد من خيانته في ماله.. المجالس أمانة.. الحكمة ضالة المؤمن.. النصر مع الصبر والفرج مع الكرب.. صل من قطعك وأعط من حرمك واعفُ عمن ظلمك.. سعادة ابن آدم رضاه بما قسم الله له.. أشقى الأشقياء من اجتمع عليه عذاب الدنيا والآخرة». وقال صلى الله عليه وسلم: «السؤال نصف العلم». وكان أستاذنا العظيم أرسطو يقول: إن الدهشة بداية المعرفة، يجب أن يندهش الإنسان لما يرى فيسأل: ولماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ ومن؟ هذه الأسئلة كلها هي بداية المعارف الإنسانية كلها.. أما الذي يرى كل شيء وكأنه لا يراه فلن يتقدم خطوة في أي اتجاه. ولن يضيف شيئا إلى نفسه أو إلى غيره.
والنبي، عليه الصلاة والسلام، قالها أجمل وأروع حين جعل السؤال نصف العلم. أي السؤال عن معنى الذي يراه ولماذا كان ومتى لا يكون. وقال عليه الصلاة والسلام: «كفى بالإنسان فتنة أن يشار إليه بالأصابع.. الأنبياء قادة والعلماء سادة.. لله ما أعطى وما أخذ.. طلب العلم فريضة على كل مسلم.. كتب الله المصيبة والأجل وقسم المعيشة والعمل.. لو دخل العسر جحرا لدخل اليسر وراءه حتى يخرجه.. رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم.. قيدوا العلم بالكتاب.. كاد الفقر أن يكون كفرا.. عمارة الديار حسن الجوار». قال لي العالم الكبير د. عبد الله الجوهري إن أبا حيان قد اختار هذه الأحاديث الجميلة في وقت طويل.. وهو اختار ما يعجبه وما يتماشى مع فكره. وهناك ألوف الأحاديث الموضوعة.. لكنه اختار الأحاديث ذات السنة الصحيحة والحكمة البالغة.
وقال د. الجوهري إنه درس في السوربون تحقيق الأحاديث وقرأ عشرات الألوف من الأحاديث الصحيحة والأحاديث الموضوعة مترجمة إلى اللغة الفرنسية. وقد قرأ مختارات من المستشرقين الفرنسيين الذين أمضوا وقتا طويلا في التحقق منها. وقد كانت رسالة الدكتوراه للأستاذ الجوهري عن الأحاديث النبوية. وقرأ وناقش وحلل وحذف وشرح؛ لذلك يؤكد لنا أن أبا حيان التوحيدي احتاج إلى شهور لكي يجمع هذه الأحاديث الجميلة البليغة التي لا تستبعد أن تكون من حكمة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبلاغته.. فما كان أحكمه وأبلغه!