وأعني بالطريق هو طريق الانتفاضات العربية، إيران مؤهلة أكثر من غيرها ليس اليوم ولكن على الأقل منذ ثلاث سنوات خلت. لقد انخفضت الأصوات العالية المحتجة التي أعقبت الانتخابات الرأسية العاشرة في يونيو (حزيران) 2009 والتي جددت للرئيس الحالي أحمدي نجاد، ولكنها لم تنتهِ، هي اختفت ظاهرا عن العين، وظلت تحت الرماد، إلى الأسبوع الماضي عندما أعلن السيد محمد خاتمي الرئيس السابق، وأحد قادة الإصلاح، أو ما سمي بالثورة الخضراء، أنه مع الحرية التي تنادي بها شعوب المنطقة وضد اضطهاد الشعوب وحرمانها من الحرية. هذا التصريح له معنى وهو إحراج النخبة الحاكمة في طهران تجاه ما يحدث في الجوار العربي. فطهران مع التحرك من أجل الحرية وبقوة في مكان، وضد التحرك وأيضا بقوة في مكان آخر. إنها ازدواجية لا تحسد عليها النخبة الحاكمة التي أراد خاتمي أن يخرج تلك الازدواجية إلى السطح والإشارة إلى الوضع الداخلي المتردي.
القضية ليست فقط اضطراب الموقف في طهران مما يحدث من تطورات في «ربيع العرب»، القضية في الإجابة عن سؤال هل ما يحدث عند بعض العرب اليوم هو تكرار لما حدث في الأشهر التي تلت انتخابات 2009 في إيران؟ وجه التشابه كبير وإن اختلف في التفاصيل، كما أن الأكثر أهمية هو طريقة مواجهة التحرك الشعبي، وهو في كل من الحالة الإيرانية فيما بعد حركة 2009 والحالة السورية فيما بعد الأشهر الأولى في 2011 يكاد يتطابق.
حتى نتوقع نتائج السياسات المتشددة والحلول الأمنية في سوريا علينا أن ندرس نتائج الحلول الأمنية الإيرانية في مواجهة ما عرف عالميا بالثورة الخضراء.
تشابه الثورة الخضراء في إيران وبعض ربيع العرب، أن كلتا الحركتين لها تماثل مع السباقات الماراثونية، أي الطويلة في الزمن، صحيح أن بعض الحراك العربي هو شبيه بقفز حواجز المائة متر، سريع قصير وعاصف، كما في مصر وتونس، إلا أن الماراثونية تظهر في اليمن وفي ليبيا وفي سوريا، وهي تتماثل مع الثورة الخضراء الإيرانية من حيث الزمن وبعضها من حيث الاستجابة.
في انتخابات 12 يونيو 2009 كان هناك اعتقاد واسع من الطبقة الوسطى الإيرانية أن أصواتها قد سرقت، وأن من الصعب في ظل الهيمنة الشمولية العودة إلى نظام شبه متسامح، كما هو تحت مظلة الحقبة الثانية من الثورة الإيرانية، حقبة محمد خاتمي.
في خريف 2009 وشتاء 2010 اندفعت الجماهير الإيرانية إلى الشوارع في عدد من المدن الإيرانية، في حالة من الانتفاضة الشعبية، تقريبا بلا قيادات منظمة، ولا آليات للحشد، كما تم في بعض ربيع العرب، الفرق أن هناك إجماعا على شكل من القيادة يمثلها مهدي كروبي وحسين موسوي اللذان أسقطا في الانتخابات. البعض سمى تلك الحركة الجماهيرية الإيرانية للتذكير فقط بأنها «انتفاضة» كما فعل الكاتب البريطاني روبرت فسك، من أجل التبادل بين المفاهيم العربية والإيرانية، وهذا يعني أن التأثير بين ما يحدث لدى العرب، وبين ما يحدث في إيران ليس مستغربا أن يكون تبادليا، بل هناك شواهد من التاريخ الحديث تؤكد هذه العلاقة، لعل من بينها ما ذهب إليه بعض كتاب النظام الإيراني من تشابه بين ربيع العرب الحالي وثورة إيران 1979، يسكت البعض في إحضار التماثل إلى هناك ولا يتجاوزه، إلا أن الواقع هو تماثل مستمر، من بينه احتمال إعادة الشعبية للثورة الخضراء، التي ذهبت تحت السطح، وهي تعيد تجهيز نفسها من جديد لتتماثل مع بعض ربيع العرب الذي أحيا فيها الأمل.
وصفت الثورة الخضراء الإيرانية بأنها «ثوراحية» أي إصلاحية ثورية، في تشكلها لم تكن تتبع قيادة فوقية تصدر الأوامر وتنظم المسيرات، بل وصفت بأنها عقدة عصبية، أطرافها متصلة ببعضها، وكل طرف متصل بكل الأطراف الأخرى. وعلى الرغم من توقيف شبكة الإنترنت وحتى شبكة التليفونات الجوالة في معظم فترة الثورة الخضراء، فقد استطاعت تلك الجماهير في ذلك الخريف والشتاء الذي تلاه، تحريك نفسها بكثافة والتدفق إلى مناطق التجمع في المدن الإيرانية في حالة من التوافق الشعبي الذي ضم معظم الطيف الإيراني الاجتماعي والاقتصادي.
بعض المحللين اليوم يذهبون إلى القول إن الثورة الخضراء هي في بيات، ولكنها لم تذهب إلى وادي الموت، وإن احتمال اشتعالها ممكن في المستقبل، على الرغم من القوة الفظة التي استخدمت في تقليم أظافرها، منها الاستخدام العنيف لقوى الأمن، ومنها أيضا الاغتيالات غير المعروف مصدرها للكوادر والصفوف الثانية في تلك الثورة، وخاصة الشباب، ومنها طبعا المحاكمات وتعليق المشانق وفتح السجون، وربما شكلت ندى أغا سلطاني، تلك الفتاة اليانعة التي اغتيلت في الشارع في طهران وتناقلت صورتها وسائل الإعلام العالمية، في المستقبل، شبيهة بحال خالد سعيد في مصر أو محمد البوعزيزي في تونس، أيقونة تختصر بشدة مدى الصلف والقوة المفرطة في ملاقاة المحتجين المسالمين ومدى شوق الشباب إلى الحرية.
الثورة الخضراء الإيرانية لم تمت، وبعض الدليل قادم من تصرفات النظام الإيراني نفسه، فبعد أشهر من إسكات المظاهرات وقتل النشطاء بمحاكمة أو بالاغتيال في الشوارع، ما زال النظام الإيراني يتوجس خيفة من اشتعالها من جديد. في أغسطس (آب) 2010 صدرت أوامر مكتوبة من وزارة الثقافة والدعوة الإسلامية في إيران، إلى كل وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، بأن لا تنشر صور أو تصاريح خاتمي وكروبي وموسوي من أجل تأكيد السلام الاجتماعي في ذهن الجمهور الإيراني، في نفس الطريق، قيادات دينية سياسية متشددة، مثل مصباح يزدي وأحمد جنتي مدعومة من وزير الاستخبارات حيدر مصلحي ادعت بأن الحركة الإصلاحية حركة خائنة للثورة، حيث إنها مولت بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة وبعض الدول العربية القريبة من إيران، هذا النوع من التصريحات والسياسات، بين فترة وأخرى، يعني أن النظام الإيراني الرسمي يرغب بشدة أن تكون الثورة الخضراء قد ماتت، ولكن من خلال رغبته تلك يذكر الناس بها.
لقد حاول منظمون إيرانيون، أكثر من مرة ولأكثر من سبب، الحصول، على إذن بتسيير مسيرات لهذا الغرض أو ذلك، من بينه حتى الاحتفال بالعيد الثلاثين للثورة الإيرانية، 11 فبراير (شباط) 2010، إلا أن كل تلك الطلبات قوبلت بالرفض خوفا من تجدد التنديد بالنظام.
بعد تتابع ثورات ربيع العرب تتوجه طهران لعدة تكتيكات، منها الدعوة لنصرة فلسطين كما حدث الأسبوع الماضي، إلا أن كثيرا من المراقبين يرون أن الثورة الخضراء الإيرانية ليست بعيدة أو ما يشابهها عن التأثر بربيع العرب، حيث كل العناصر الموضوعية جاهزة للاشتعال، المراهنة فقط على الوقت، وكمثل تكتيكات إرهاب عناصر التغيير التي استخدمتها طهران في دفع الثورة الخضراء تحت الأرض، ربما مؤقتا، فإن أي محاولة لنقل تلك التكتيكات في بعض بلاد ربيع العرب سوف تفشل، بسبب أن الزمن له متطلباته، فهل نتوقع ربيعا إيرانيا قريبا!!
آخر الكلام:
لوردات بث المعلومات الخمس؛ «غوغل»، و«فيس بوك»، و«توتير»، و«أمازون» و«أبل»، أحدثت انفجارا معرفيا هائلا، حيث بسببها يقدر الخبراء أن جميع المعلومات التي راكمتها الحضارة الإنسانية من فجرها حتى عام 2003 يمكن أن تولد خلال يومين فقط، بسبب الثورة المعلوماتية، وما زال البعض يفكر على طريقة الأمس!!