بهدوء شديد، ولكن بتنامٍ عددي واضح، استمرت مسيرات ومظاهرات «احتلال شارع وول ستريت» بالمركز المالي للولايات المتحدة بمدينة نيويورك. الأعداد في ازدياد مستمر وفاقت الخمسة عشر ألفا.. الشرطة المحلية للمدينة زادت أعدادها لمواجهة هذه الاحتجاجات، وألقت القبض على 700 من المتظاهرين الذين وضعوا عتادهم ونصبوا خيامهم استعدادا لمواجهة طويلة، بحسب وصف بعض القائمين على هذه الفعاليات.
وهذه المجاميع المتزايدة وصل احتجاجها ليشمل مدنا متباعدة، مثل العاصمة واشنطن ومدينة ناشفيل بولاية تينيسي، ومدينة كليفلاند بولاية أوهايو، وصولا للمدينة الكبرى بالساحل الغربي لوس أنجليس. وهذه المجاميع تشكل التكتل السياسي الاجتماعي الاقتصادي العكسي والمضاد تماما لفكر حزب الشاي اليميني المتطرف، فهي حراك «يساري» متطرف يستهدف ضرب الأطماع الرأسمالية غير العادلة للشركات الكبرى، خصوصا المؤسسات المالية بسبب مبالغات أرباحها وبدلات ومكافآت التنفيذيين فيها والتي كان لها الأثر الاقتصادي السلبي جدا على أعداد غير بسيطة من الناس في أميركا، وهم يطلقون على أنفسهم أنهم أهل الـ99 في المائة لأن الشركات الكبرى والمستفيدين منها لا يشكلون أكثر من 1 في المائة من السكان، لكنهم يؤثرون على مداخيل الآخرين، وهذا فيه غياب للعدل ونصر للظلم. وهذه المجاميع على الرغم من أنها تستهدف مدينة نيويورك باعتبارها المركز المالي للبلاد وقلبها الاقتصادي فإنها ستستهدف العاصمة السياسية واشنطن لقناعة المحتجين بوجود حالة من «التواطؤ» بين الساسة وقادة هذه الشركات الكبرى.
ويصف اليمين التقليدي الأميركي هذا الحراك بأنه «عداء للرأسمالية والقيم الأميركية»، ويحاول تجييش الرأي العام ضد هذا الحراك، ولكن لغة الأرقام تتحدث، فعدد حالات الإفلاس والعجز عن سداد قروض المساكن ونسب البطالة كلها في ازدياد مفزع، مما يزيد من الجدل في الشارع السياسي ويزيد من الضغط على القادة في البيت الأبيض والكونغرس خصوصا أن هذه سنة انتخابية ولها حساباتها الخاصة كما هو معروف دائما. الرئيس الأميركي باراك أوباما يدرك هذا جيدا، ويحاول استغلال الوضع والترويج لخطة إنقاذ الاقتصاد والمتمثلة في عرض مبلغ 443 مليار دولار لدعم فرص العمل والأعمال، والتي من المنتظر أن تمول من فرض ضرائب جديدة على الأغنياء والمقتدرين من الأميركيين، وهي فكرة تلاقي القبول العام لكنها تلاقي الرفض من الكونغرس المسيطَر عليه من قبل الجمهوريين، وهي مسألة قد تعوق فرص نجاحهم ضد باراك أوباما في الانتخابات.
الحراك الشعبي الحاصل الآن تأثر كثيرا بحسب شواهد مختلفة بالربيع العربي والحراك الذي حدث معه. الدعوة لاحتلال وول ستريت حركة تنمو وتتشكل على الأرض وتزداد قوة، وستنضم إليها في الأيام القادمة النقابات العمالية المنظمة مثل عمال السيارات ومعلمي المدارس وغيرهم، وهذا سيمنح الحراك الثقل الكبير والتأثير الفعال، وقد يكون نقطة تحول سياسي جديد في سنة حرجة، تجعل هذه السنة الانتخابية مثيرة وذات مغزى. الاقتصاد هو المحرك للسياسة، وداء أوروبا انتقل لأميركا كما سبق أن أصاب الداء الأميركي أوروبا، وتبقى النتيجة النهائية التي يراقبها العالم بخوف وقلق.