إذا كنت في كازابلانكا

TT

قبل سبعة عقود، بنت شركة «وارنر إخوان» في هوليوود جزءا من مدينة كازابلانكا، وصورت فيه فيلما يحمل اسم المدينة. تدور معظم أحداث الفيلم في مقهى يملكه رجل أميركي اسمه «مقهى ريك»، ويلعب الدور الأساسي فيه أشهر ممثلي الأربعينات؛ إنغريد برغمان وهمفري بوغارت.

لم يكن أحد يتوقع أن يتحول الفيلم إلى مفترق تاريخي في عالم السينما. ومن دون أن تحط كاميرا واحدة في الدار البيضاء، اشتهر اسم المدينة في الغرب، ودارت حولها القصص الرومانسية. وأطلق اسم «مقهى ريك» على المقاهي حول العالم، لكن لم يكن له وجود أو أثر في المدينة نفسها. عام 2000، جاءت كاتي كرايغر ملحقة تجارية في السفارة الأميركية لدى المغرب.

كانت وظيفتها مملة. وأول ما خطر لها أن تستقيل وتمضي العمر في المغرب، ولكن كيف تعيش؟ من الحلم. وكان حلمها أن «تنشئ مقهى ريك» في الحقيقة، بعدما ظل خيالا نصف قرن. استقالت من عملها، وبدأت تبحث عن مكان. وقد عثرت على منزل شبه منهار في «المدينة القديمة». ودخلت في متاهة البيروقراطية المغربية الموجعة.

في عام 2004، خرج «مقهى ريك» إلى الوجود ليصبح أحد معالم «كازابلانكا»، الاسم الذي أطلقه عليها البرتغاليون. وقد حاول الفرنسيون خلال 45 عاما من الاستعمار فرنسة الاسم، لكن الرنة البرتغالية غلبت. ويروى أن القائد الفرنسي الماريشال ليوتيه طلب إلى مسؤول حديقته أن يزرع نوعا معينا من الشجر، فقال الرجل إن هذا نوع بطيء، ولن ينمو تماما قبل مائة عام. فقال ليوتيه: «حسنا. علينا أن نسرع، فلنبدأ الزراعة هذا الصباح».

خيل إلى كاتي كرايغر أن معاملات المبنى في المدينة القديمة سوف تستغرق مائة عام. لكن بعد أربعة أعوام كان «مقهى ريك» بداية تجديد للأبنية المتداعية في الحارة. وصار السياح المأخوذون بحكاية الفيلم الخيالي يجدون في الدار البيضاء مقهى حقيقيا منقولا عن الخيال، بما في ذلك البيانو القديم. لكن العازف لا بد من تغييره.

في الفيلم جملة شهيرة يقولها القومندان الفرنسي للملازم كلما وقع حادث في الدار البيضاء: «اعتقل المشبوهين المعروفين». وقد سجلت الشركة التي تملك المقهى مع كاتي باسم «المشبوهون المعروفون». وهو الآن موضوع كتاب جميل، لكنني لم أذهب إلى المقهى نفسه بعد. مرت سنوات لم نذهب إلى كازابلانكا.