قطر: ماذا حدث؟ (2) أم صلال محمد.. تاريخ وتراث

TT

خلال الأسبوع الذي قضيته في قطر ركزت على زيارة المواقع الأثرية والمتاحف بأنواعها، سواء التاريخية والفنية؛ وذلك لأن معلوماتي عنها قليلة. وقد وجدت أن من واجبي كأثري أن أقدم هذه المواقع للمهتمين بالتراث. ونبدأ بموقع يعيدنا إلى أجواء الأساطير ويسمى باسم أم صلال محمد. وعلى الرغم أن التاريخ المعروف للموقع يعود إلى ما يقرب أو يزيد على مائة عام، إلا أن هناك من الشواهد ما يشير إلى تاريخ أقدم بكثير من التاريخ المعروف، ولتأكيد العمر الزمني للمكان والنشاط الإنساني به يجب القيام بالكثير من أعمال الحفائر العلمية المنظمة، ودراسة وتوثيق الشواهد التي لا تزال قائمة إلى حد كبير. ويعني اسم أم صلال أم الأحجار الصلدة. والمكان بصفة عامة يحكي جزءا من قصة الصحراء العربية وحياة البادية وتقاليدها وثقافتها.

وهناك حقيقة لا بد من ذكرها، وهي أن وراء أي موقع تراثي تجد عاشقا له يدافع عنه ويحميه، وينقل رسالته إلى شخص آخر أو أكثر. وأعتبر نفسي محظوظا لأن من عرفني على الموقع هو أثري عربي متحمس وعاشق لتراث وثقافة بلده، وهو الأستاذ محمد علي، الذي تعلم في الولايات المتحدة وعاد إلى قطر ليعمل في العديد من المشروعات المتصلة بالتراث، ويتحدث عن الآثار بعشق لم أره في قلب أثري عربي آخر. وقد قص علي ما حدث معه أثناء قيامه بترميم أحد المساجد القديمة بالدوحة بتكليف من الأمير حمد بن خليفة، وكان للمسجد قباب تغطي مساحات مربعة كبيرة، وكانت رغبة الأمير حمد هي عودة المسجد إلى حالته بنفس أسلوب بنائه القديم، أي أنه لا يمكن استعمال الخراسانة في الترميم أو إعادة البناء! وكان من عادة الأمير حمد المرور ومراقبة أعمال الترميم، ولكن فريق الترميم وجد أن الأساسات لا يمكن أن تتحمل القباب دون عمل جزء خراساني بسيط، وفعلا اتفقوا على عمله ليلا وتغطيته قبل أن يراه الأمير، لكنه لسوء حظهم تصادف مروره ورؤيته لأعمال الخراسانة، فما كان منه إلا أن أمر بإزالة كل الأعمال التي تمت لكي يحافظ على كيان المسجد الأثري وإيجاد حلول هندسية تتفق والطابع القديم للمسجد.

وأم صلال لا تبعد كثيرا عن الدوحة، والموقع يوجد به بقايا قلعة لها أبراج في حالة حفظ جيدة، ويجاورها منازل خاصة بالخدم الذين عاشوا في المزرعة يعملون في الزراعة والبناء، ويعود تاريخ القلعة إلى 1895م، وعندما بدأت الدولة في الاهتمام بالموقع الأثري قامت بدفع 200 مليون دولار لشراء المنازل الموجودة كتعويضات للأهالي، ولكن سيدة طاعنة في السن رفضت التعويض أو الخروج من المكان الذي عاشت فيه، وأعطى الأمير حمد تعليمات بأن تظل في مكانها وأصبحت حديث المدينة.

أما القلعة أو القصر فكان مخصصا للشيخ وآخر صغير لابنه، ويتكون من ثلاثة طوابق، وطليت الحوائط بالجبس لحمايتها من الأمطار، وسجل هذا الموقع فريق أثري من الدنمارك عام 1958م. ويتكون سقف منزل الشيخ من الخشب الذي كان القطريون يجلبونه من زنزبار؛ ولذلك كان الخشب أغلى من الذهب، ويقسم بين أفراد العائلة عند توزيع الميراث.

وقد قام الأثري المعماري محمد علي بإجراء حفائر حول منزل الشيخ، ولكن واضح أنه يحتاج إلى فريق أثري لعمل التسجيل العلمي للحفائر قبل أعمال الترميم التي سوف تتم للقصر أو منازل الخدم.. وقد عاش أهالي هذه المنطقة على الرعي وصيد اللؤلؤ الذي توقف عام 1930م، عند ظهور البترول، ليتغير وجه الحياة في الخليج.