دور مجلس صيانة الدستور

TT

يعد مجلس صيانة الدستور عقبة كبيرة في طريق الديمقراطية والحرية في إيران، وهذه بعض الأمثلة التي جعلتني أومن بذلك: في الآونة الأخيرة قال الناطق باسم مجلس صيانة الدستور عباس علي كدخدايي في مؤتمر صحافي إن المجلس يمكنه إطاحة أي مرشح رئاسي من المرشحين الذين اعتمدت أوراقهم، حتى يوم الرابع عشر من يونيو (حزيران)! ويعد هذا انعكاسا واضحا لجوهر الوضع السياسي في إيران.

وقبل بضعة أيام، أقدمت بعض وكالات الأنباء المحافظة مثل «فارس» و«مهر» و«المشرق» على خطوة موضع شك كبير وأعلنت أن مجلس صيانة الدستور سوف يستبعد المرشح حسن روحاني من سباق الانتخابات الرئاسية خلال الـ24 ساعة القادمة، لأنه قد تجاوز الخطوط الحمراء خلال المناظرات التلفزيونية وكشف عن بعض الأسرار المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.

وفي الوقت نفسه، كشف علي أكبر ولايتي - كبير مستشاري المرشد الأعلى - عن بعض المعلومات المتعلقة بالمفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني لأول مرة. كل هذا أدى إلى إثارة القلق بين الإيرانيين من سير العملية الانتخابية وما إذا كانت ستتسم بالشفافية والنزاهة أم لا.

وقال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي إنه يجب حماية أصوات الشعب الإيراني، مشددا على أهمية أن تخرج الانتخابات بصورة رائعة، مؤكدا أن إيران سوف تشهد ملحمة تاريخية يوم الجمعة الموافق الرابع عشر من يونيو.

والآن أود أن أكتب عن ملحمة عظيمة، ولكن كما أشرت سابقا فما زال هناك سحابة مأساوية تسيطر على ذهني. وخلال السنوات القليلة الأولى التي تلت نجاح الثورة الإسلامية، كنا نعتقد أن هناك ثلاث قضايا مهمة وحاسمة للغاية بالنسبة لنا، وهي الحرية والعدالة والاستقلال. وكنا نعتقد أن شكل الجمهورية الإسلامية سيكون أفضل إطار لتحقيق هذه الأهداف.

ومرت عقود منذ ذلك الحين، ولم يتحقق اثنان من أهدافنا، حيث إننا لا نزال نتوق إلى الحرية والعدالة. وفي كل مرة يحاول فيها الإيرانيون أن يلعبوا دورا عظيما في البلاد، يواجهون عائقا هائلا يتعذر اجتيازه وهو مجلس صيانة الدستور، الذي أصبح سيفا مسلطا على رقاب الجميع بشكل يجعل الشعب الإيراني يشعر بأنه لا مجال للإصلاح.

وفي الآونة الأخيرة، قرأت مقالا مؤلما للغاية يقول فيه أحد مؤيدي حسن روحاني إن أحد أنصار سعيد جليلي قد أخبره بأنه سيستمتع الليلة (الثلاثاء الموافق 13 يونيو) وغدا، ولكنه سيهزم يوم السبت!

وفي الوقت الذي أتمنى فيه أن يكون ذلك غير صحيح ولا أساس له من الصحة، فلا يمكننا بأي حال من الأحوال أن ننسى ما حدث في الانتخابات الرئاسية عام 2009 والتجربة المريرة التي عانينا منها جميعا بعد ذلك. ولعل أعظم إنجاز قامت به إدارة أحمدي نجاد كان تدمير الاقتصاد والثقافة والأخلاق، وهو ما يجب وضعه في الحسبان في المستقبل، وكما يقول نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين».

وقد رأيت إعلانا رائعا للغاية في الآونة الأخيرة لحسن روحاني وأمامه مجموعة من الزهور مكتوبا عليه: «الائتلاف الواضح العظيم». ورأيت أوجه الشباب مملوءة بالطاقة والحياة؛ هؤلاء الشباب الذين يريدون أن يعيشوا بحرية ويحدوهم الأمل والسعادة. تذكرت حينئذ رباعيات الخيام:

القلب قد أضناه عشق الجمال.. والصدر قد ضاق بما لا يقال

يا رب هل يرضيك هذا الظما.. والماء ينساب أمامي زلال

هذا شيء مأساوي وملحمي في الوقت نفسه. ومن الواضح أن المشكلة الأساسية التي تواجهنا تتمثل في بنية وشكل الحكومة. يعتقد البعض أن السبب وراء العديد من المشكلات التي نواجهها اليوم يتمثل في الدور الذي يلعبه بعض الأفراد، فعلى سبيل المثال لو هناك فقيه آخر في مكان آية الله جنتي، فسيتغير الموقف تماما، وهذا هو السبب الذي جعل علي مطهري، وهو نائب من طهران، يقول إنه لو كان لدينا فقيهان يتسمان بالحكمة في مجلس صيانة الدستور، ما كان المجلس أطاح هاشمي رفسنجاني من سباق الانتخابات الرئاسية.

وأعتقد أن مطهري قد وضع يده على جزء من المشكلة المتمثلة في أن ما نعانيه الآن يعود إلى بنية الدولة وليس المسؤولين. ولأول مرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية، شدد محمد موسوي الخوئيني، وهو رئيس مجمع علماء الدين المجاهدين، على أنه يمكننا تغيير بنية وشكل الحكومة، مشيرا إلى أنه يمكننا إيجاد شكل مختلف للحكومة في الإسلام.

وفي كل مرة تواجهنا أزمة، مثل الانتخابات الرئاسية الأخيرة وتداعياتها، نسمع رأيين واضحين؛ الأول من المجموعة التي تعتقد أن بعض المشكلات التي نواجهها تعود إلى طريقة تفكير بعض الناس والفقيه في مجلس صيانة الدستور، والأهم من ذلك شخصية المرشد الأعلى، أما المجموعة الأخرى فترى أن السبب وراء كل هذه المشكلات يعود إلى المسؤولين.

وعلاوة على مشكلة بنية الحكومة، لدينا مشكلة النظرية التي تمثل جوهر بنية الدولة، وهي نظرية ولاية الفقيه، فعلى سبيل المثال يرى آية الله مصباح أن «الشعب ليس له حقوق وأنه يتعين عليه أن يطيع ما يؤمر به، وأن كافة الحقوق لله تعالى ولرجال الدين، وأن الفقهاء هم ممثلو الله الذين يحكموننا»، معتمدين في ذلك على تفسير الآية الكريمة: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا».

والآن، هناك الكثير من الأسئلة الأساسية حول ولاية الفقيه وشكل الحكومة ونظام الحكم في إيران. وبعد مرور 35 عاما على الثورة الإسلامية، بات من الضروري إعادة التفكير في بنية الدولة والنظرية القائمة عليها، لأنهما أساس جميع المشكلات التي نعاني منها.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل سيغير آية الله علي خامنئي طريقة تفكيره؟ في الآونة الأخيرة، ولأول مرة، دعا خامنئي كل من لا يدعم النظام للمشاركة في الانتخابات من أجل مصلحة إيران. والأهم من ذلك، يبدو أن النظام يعد نفسه لقبول حسن روحاني رئيسا جديدا للجمهورية الإسلامية، فهل سيكون ذلك بمثابة نقطة تحول عظيمة في إيران؟