أثارت دراسة طبية جديدة موضوع علاقة نوبات الغضب بارتفاع احتمالات الإصابة بالنوبة القلبية والمضاعفات الصحية الأخرى لأمراض الشرايين. ووفق ما نشر في عدد 3 مارس (آذار) للمجلة الأوروبية للقلب (European Heart Journal)، كانت الدراسة الجديدة من النوع التحليلي الذي شمل مراجعة نتائج الدراسات السابقة التي صدرت منذ عام 1966 وحتى 2013، وهو ما يعطي شمولا أوسع للرؤية الطبية للعلاقة بين نوبات الغضب والإصابات بمضاعفات أمراض الشرايين.
وأفاد الباحثون بأن نوبات الغضب المفرط ترفع من احتمالات الإصابة بنوبة الجلطة القلبية ونوبات السكتة الدماغية خلال الساعات التالية لتك النوبات من الغضب. وصحيح أن الباحثين لم يتوصلوا إلى نتائج تفيد بارتفاع الاحتمالات تلك مقارنة بالإصابة بأمراض كالسكري وارتفاع ضغط الدم واضطرابات الكولسترول والدهون الثلاثية، إلا أنهم لاحظوا ارتباطا واضحا بين ارتفاع احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية فيما بين تعامل المرء بهدوء في الساعات التالية لتعرضه لمسببات الغضب وبين إطلاقه العنان لمسببات الغضب تلك أن تخرجه عن طوره المعتدل وتماديه في إظهار الغضب والتفاعل النفسي والبدني معه.
وليس هذا بمستغرب طبيا ولدى عموم الناس، ذلك أن الجميع يعلم أن الغضب مرتبط بارتفاع نشاط الجهاز العصبي على أنظمة وأعضاء الجسم بشكل سلبي وغير طبيعي. وهو ما يبدو كمظهر واضح للعيان لدى رؤية أي شخص تنتابه نوبة من الغضب، وأيضا ما يمكن ملاحظته طبيا كارتفاع ضغط الدم وارتفاع نبض القلب وزيادة تدفق الدم وارتفاع نسبة الكثير من الهرمونات واضطرابات معدل السكر في الدم وغيرها.
إلى هنا الأمور مفهومة ومتوقعة. وقديما وحديثا تظل النصيحة بالتحكم في نوبات الغضب واستحضار الحكمة والحلم والأناة للتغلب على تمادي نوبات الغضب في السيطرة على سلوك الإنسان وفي التأثير على عمل أجهزة وأنظمة أعضاء جسمه، ولكنّ الباحثين جمعوا عوامل أخرى ذات صلة بالغضب لها تأثيرات في احتمالات حصول المضاعفات القلبية أو الدماغية، وهي التي يجدر التنبه إليها وتفهمها وتحضير النفس للتعامل معها، خصوصا أن الإنسان عرضة للتعامل مع أمور حياتية أو منزلية أو وظيفية قد تتسبب له بالغضب.
والمهم في تلك الأمور هو الوقت، أي الفترة التالية للغضب. وما لاحظه الباحثون أن الساعتين الأوليين بعيد بدء نوبة الغضب هما فترة حرجة، وهي الفترة التي ترتفع في احتمالات حصول النوبة القلبية أو السكتة الدماغية بسبب حصول حالة الغضب الشديد لدى المرء. وتحديدا أفاد الباحثون بأن احتمالات حصول تلك الانتكاسات القلبية أو الدماغية خلال هاتين الساعتين ترتفع بنسبة خمسة أضعاف، كما ترتفع بنفس النسبة احتمالات حصول اضطرابات إيقاع نبض القلب. والأمر الآخر المهم مما لاحظه الباحثون في نتائج دراستهم أن هذه الاحتمالات ترتفع لدى الأشخاص الذين ديدنهم سرعة الغضب والإفراط في التعبير عنه والاستسلام لسيطرته على تصرفاتهم وتفاعلاتهم النفسية والبدنية. والأمر الثالث المهم أنها ترتفع لدى الأشخاص الذين لديهم بالأصل أمراض في الشرايين القلبية أو الدماغية أو عوامل خطورة الإصابة بها، حتى لو لم يكونوا مدركين وجودها لديهم.
ومعلوم أن أهم عوامل خطورة الإصابة بأمراض الشرايين تشمل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم واضطرابات الكولسترول والتدخين والسمنة وعدم ممارسة الرياضة اليومية، إضافة إلى التقدم في العمر ووجود التاريخ العائلي للإصابة بأمراض الشرايين.
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض