قنابل الإرهاب في المحروسة

TT

في شارع مصري.. رجلان يؤديان عملهما في صمت.. اقتربا ببرود شجاع من «شيء» مريب.

مفرقعات؟ قنابل؟

«الشيء» المخيف من زرع الإرهابيين (الإخوان تحت مسميات شتى محاولين بيع الترام في عواصم اختفى الترام من شوارعها، ويقسمون بأغلظ الأيمان أنهم جماعة مسالمة «شرعية»، وكأن الناس بلهاء لا يعرفون أن واحدا زائد واحد يساوي اثنين).

رجلان لا يكفي راتبهما مجتمعين لشراء تذكرة سفر إلى أوروبا.

رجلان عملهما اليومي حماية الناس العاديين.

شمس الظهيرة ملتهبة، حلقاهما رمال الصحراء في جفاف نهار رمضان صيفي.. صائمان. هذه ليست مغامرتهما الأولى في إبطال مفعول «الشيء الخطر». مرات كثيرة ربنا سترها، وعادا إلى مقر العمل ثم إلى العيال وأمهم. الأم قضت اليوم كله تصلي وتتلو آيات القرآن مبتهلة أن ينجي الله أبو العيال، وهو يؤدي واجبه بضمير حي لحماية أبناء وبنات الناس، ويعود سالما ليستمر في تأدية واجبه الثاني: ملابس الأولاد ومصاريف الدراسة.

«يا رب رجعه سالم لعياله».. قلب الزوجة يصرخ في صمت لا يسمعه إلا من تبتهل إليه. المهمة لم تنته، ما زال أمام الرجل عشرون عاما ليكملها.. تعليم الأولاد وزواج البنات.. في كل مرة ربنا سترها.. وعاد كل منهما إلى مقر العمل ليعد العينات للمعمل، وتقرير عن طريقة صنع القنبلة التي زرعها جبناء يكرهون البشر، يكرهون أن يكون للإنسان حرية الاختيار.

هذه المرة.. انفجر «الشيء» المريب بين أيديهما.. لقيا حتفيهما..

تبارت أقلام الكتاب وألسنة المعلقين في حواراتهم مع مذيعي التلفزيون، والدموع تخنق عبارات «رحم الله الشهيدين، ماتا فداء مصر..».

فلاشات المصورين تعمي عيون طفولة يتيمة حديثا تحاول استيعاب معني «بابا مع الملايكة.. موش راجع.. اقرأ الفاتحة على روحه.. يا ضنايا».. والبراءة الحائرة تتلقى التعازي والأوسمة..

هل طالب أحد باستجواب المسؤولين عن مكافحة الإرهاب، وعن قلم أمن المفرقعات؟

في غياب البرلمان المنتخب يأتي دور السلطة الرابعة للاستجواب والتساؤل نيابة عن أطفال «الشهيدين».

لماذا يعمل خبراء صائمون في وردية النهار، بدلا من وردية المساء؟ لماذا لا يعمل غير الصائمين في نوبتي النهار؟

فلتضع الصحافة المصرية وكالات الأمن تحت مجهر الفحص ووخزات القلم للإجابة عن السؤال: هل هناك خطة عملية تكنولوجية لاحتواء خطر الإرهاب من قنابل ومفرقعات بجانب الاستراتيجية الأمنية الكبرى في الحرب المصرية على الإرهاب؟

إرهاب الإخوان المسلمين ليس بمفاجأة، وليست المرة الأولى التي تعاني فيها الأمة المصرية من إرهاب الجماعة.

شوارع مصر ودور السينما والمسارح ومعارض الفنون وحتى المحاكم والقضاة في ديارهم والساسة على باب الوزارات ومحطات السكة الحديد وعلى مدخل البرلمان تعرضوا لقنابل ورصاص التنظيم السري للإخوان في ثلاثينات وأربعينات وخمسينات القرن الماضي. ثم في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات في حملة شنها الإخوان (تحت أسماء جماعات أخرى كـ«التكفير والهجرة»، و«الناجون من النار»، و«الجهاد الإسلامي»، و«الجماعة الإسلامية».. وغيرها؛ لافتات يختبئ وراءها الإخوان أو تيارات ولدت من رحم الإخوان ولم تقطع الحبل السري). طعنوا نجيب محفوظ في رقبته؛ اغتيال لمفكرين كفرج فودة، ذبح السياح في معبد حتشبسوت في الأقصر على سبيل المثال لا الحصر.

وحتى في العام الماضي بعد أن أسقط الشعب أداتهم، الدكتور محمد مرسي، قالها الإخوان صراحة على لسان أحد زعمائهم: «إن الإرهاب لن يتوقف حتى يعود مرسي إلى قصر الرئاسة رغم أنف الشعب».

فليذكر الصحافيون المصريون المسؤولين في الداخلية بأن إرهاب الإخوان (من تاريخهم وأدبياتهم والقضايا التي مثلوا فيها أمام المحاكم الجنائية المصرية وأيديهم ملطخة بدماء المصريين، والأدلة الجنائية قيود حول معاصمهم) معروف، وليس بمفاجأة؛ ومنذ وضعهم القنابل في سينما ريفولي، وفي دار القضاء العالي، وأمام منزل المرحوم فؤاد سراج الدين باشا، واغتيالهم لماهر باشا، وأمين عثمان، والنقراشي باشا، وحرقهم القاهرة في يناير (كانون الثاني) 1952 وغيرها تعني أن إرهابهم اليوم والقنابل في الأسواق ووسط الناس الأبرياء ليس بمفاجأة بل متوقعا. فما هي خطة احتواء هذا الإرهاب وتجنب الضحايا؟

فليطرح الصحافيون المصريون السؤال: لماذا لم يزود خبراء المفرقعات بملابس واقية ودروع وأقنعة واقية للوجه والعينين والجسم والأطراف (كملابس فرقة تفكيك الألغام في سلاح المهندسين في الجيش)؟

أرجو أن تطرح الصحافة المصرية الأسئلة على المسؤولين..

في آيرلندا الشمالية منذ اندلاع الإرهاب وزرع القنابل قبل 45 عاما، وفي منطقة الباسك في إسبانيا، وفي كل مكان في العالم، خصوصا المطارات والموانئ ومحطات السكك الحديدية عند وجود أمتعة متروكة لا يعرف لها صاحب، التكنولوجيا معروفة ومتوفرة.

الروبوت أو الجهاز الآلي المتحرك على جنزير كالجرار الزراعي أو على عجلات ثقيلة ومزود بأذرع ميكانيكية وأدوات كالمفكات ومفاتيح الصواميل وآلات دقيقة وكاميرات توجيه بأجهزة التحكم من بعد Remote - Control يحركها خبير المفرقعات من بعد آمن دون المخاطرة بحياته وسلامته.

فمهما كانت تكلفة الأجهزة الإلكترونية وارتفاع ثمنها، فهو، اقتصاديا، وسياسيا، وإنسانيا، ووطنيا، ثمن تافه مقارنة بحياة الإنسان أو أحد أعضائه.

كم يكلف تدريب وإعداد خبير مفرقعات ماديا وسنوات تدريب؟

هدف الإرهابيين - وجماعة الإخوان ليست استثناء - مزدوج: حرب استنزاف ضد الأمة المستهدفة، خصوصا حملاتهم قبل عشرين عاما لاستنزاف السياحة اقتصاديا وهو يتكرر اليوم، واستنزاف العنصر البشري كخبراء المفرقعات ورجال الأمن؛ والثاني إلقاء الرعب في قلوب الشعب وتدمير الروح المعنوية..

أهم تكتيكات استراتيجية الحرب على الإرهاب، هو عرقلة الجماعة عن تحقيق الهدفين بحماية الثورة البشرية في أجهزة الأمن؛ وضخ روح المقاومة والإيمان بقدرة الوطن في قلوب الناس.

وعندما يصفق المارة، أو مشاهدو نشرات الأخبار عند نزع الروبوت فتيل قنبلة، أو تفجيرها بتحكم controlled explosion دون أن يفقد مصري حياته أو يجرح ترتفع الروح المعنوية للمواطنين ويعود القوم الظالمون على أعقابهم خاسرين.