خمس أساطير حول «الدولة الإسلامية»

TT

غيّر تنظيم «الدولة الإسلامية بالعراق والشام» (داعش) اسمه أكثر مما تغير فرقة موسيقية اسمها. وتصعد المجموعة المتطرفة التي قاتلت في سوريا ودبرت هجمات في المملكة العربية السعودية ولبنان، من قتالها الآن وتتقدم داخل العراق، وأعلنت نفسها دولة إسلامية. وفي العراق وسوريا، قتلت المجموعة مواطنين من الشيعة والمجموعات الدينية الأخرى التي تعدها ملحدة، إضافة إلى من تعدهم متعاونين مع الحكومة العراقية من السنة. وسببت وحشية التنظيم إرباكا حول أهدافه وأخطاره. ومن مبدأ «اعرف عدوك»، فلنتناول بعض ما يتداول من أساطير حول «داعش».

أولى تلك الأساطير أن «داعش» جزء من تنظيم القاعدة. ورغم أن التنظيمين كانت لهما علاقة متداخلة لفترة طويلة، وكانا حليفين في وقت ما، فإنهما عدوان لدودان الآن. ويدل تغيير الأسماء عبر السنين على هذا التوتر. وظهرت المجموعة المتطرفة في العراق بعد غزو الولايات المتحدة عام 2003. وتجمع كثيرون حول الأردني أبو مصعب الزرقاوي الذي عمل مع «القاعدة» وإن لم يكن جزءا منها. وأخيرا، بايع الزرقاوي بن لادن في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، واتخذت مجموعته اسم «تنظيم القاعدة في العراق». وبدأت الخلافات بين المجموعة وقادة «القاعدة» منذ الأيام الأولى، حيث كان أيمن الظواهري وبن لادن يشددان على الأهداف الأميركية، بينما كان الزرقاوي ومن خلفوه يشددون على الحرب الطائفية. وتختلف «القاعدة» و«داعش» في التكتيك والاستراتيجية والقيادة. ويركز زعيم «داعش»، أبو بكر البغدادي، على الذبح والصلب والأنظمة المحلية والخصوم وليس ضرب «العدو البعيد» - الولايات المتحدة، كما يرى الظواهري. واصطدمت هذه الاختلافات في سوريا عندما عيّن الظواهري «جبهة النصرة» المعتدلة نسبيا، باعتبارها التنظيم المحلي التابع لـ«القاعدة». ويعتقد البغدادي أن مجموعته هي التي يجب أن تكون مسؤولة عن العمليات المتطرفة في العراق وسوريا ولبنان والأردن. وواجهت المجموعتان بعضهما بعضا، ويقال إن الآلاف قتلوا في القتال الداخلي بين المجموعتين.

والأسطورة الثانية هي أن تكوين «الدولة الإسلامية» يعني أن المجموعة جاهزة للحكم. وتسيطر «داعش» الآن على أجزاء من شرق سوريا وغرب العراق، ومعظم تلك المناطق صحراء، لكن «داعش» تسيطر أيضا على مدن مهمة مثل الرقة في سوريا والموصل في العراق. ويأمل التنظيم أن يحظى بصفته دولة إسلامية بشرعية الحكم حسب تفسيره المتشدد للشريعة الإسلامية، ويكتسب بذلك المزيد من المتطوعين والدعم المالي.

ولكن، هل يستطيع الإرهابيون المتطرفون الحكم بنجاح؟ لقد حكمت حماس قطاع غزة سبع سنوات الآن، ومارس حزب الله سيطرته بحكم الأمر الواقع على أجزاء من لبنان عقودا. وتدير المجموعتان المدارس والمستشفيات والخدمات الأساسية. لكن، عندما كان يسيطر أسلاف «داعش» على غرب العراق قبل عقد من الزمن سيطروا على المنطقة بصورة كارثية. وأدت وحشيتهم وعجزهم إلى إبعاد السنة المحليين وأسهمت في إيقاظ حركة أزالت المتطرفين تقريبا.

وقد تروق «داعش» للسنة الخائفين من الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة في بغداد. لكن، كل من أمكنه الهرب من «داعش» هرب، بمن في ذلك أصحاب الأعمال من الطبقة المتوسطة والفنيون الذين يساعدون على تسيير الخدمات الاجتماعية الضرورية. وفي النهاية، قد تنهب «داعش» وتبيع النفط في السوق السوداء وتؤسس خدمات بدائية لمنع المجاعة، ولكن لا تخلط بين ذلك والدولة الفاعلة. والأسطورة الثالثة هي أن نظام بشار الأسد في سوريا هو العدو اللدود لـ«داعش». وأعلنت حكومة الأسد في سوريا أنها في حرب مع الإرهابيين، بينما تظهر «داعش» نفسها بوصفها حامية المسلمين السنة في سوريا من النظم «الملحدة» مثل نظام الأسد. لكن المجموعتين تعارضان المعارضة المعتدلة، وبإضعاف المعارضة المعتدلة يضعف الأسد التهديد الأكبر طويل المدى ضد حكومته. وكانت حكومة الأسد أحجمت عن العمليات العسكرية في بعض المناطق التي يسيطر عليها «داعش»، بينما واصل الطيران الحربي السوري قصف مناطق المعارضة المعتدلة التي تقاتل تنظيم داعش وتشتري النفط منه. بالفعل، لو لم يكن تنظيم داعش موجودا لصنعه الأسد، وقد فعل ذلك بصورة من الصور. وبمرور الوقت، أدت خطاباته وتكتيكاته إلى حدوث رد فعل عنيف بين المسلمين السنة، الذين غيروا النزاع مع بروز جماعات مثل «داعش». ويجد السوريون أنفسهم بصورة متزايدة أمام خيارين: إما نظام الأسد وإما المتطرفين. لكن يبدو أن ذلك التكتيك أخذ في التلاشي مع تقدم الدولة الإسلامية في العراق.

أما الأسطورة الرابعة، فهي أن تنظيم داعش قوة قتالية هائلة. ويشير نجاحه المذهل في العراق، من هزيمة الموصل والتقدم نحو بغداد، إلى وجود تنظيم عسكري قوي. في الواقع، يضم تنظيم داعش 10 آلاف مقاتل فقط، ولم يشترك في الهجمات على مدن مثل الموصل سوى أقل من 10 آلاف مقاتل منهم. وتعكس الانتصارات العسكرية في الحقيقة ضعف الجيش العراقي والسياسات الكارثية لرئيس الوزراء نوري المالكي. ووفرت الولايات المتحدة للجيش العراقي معدات عسكرية بمليارات الدولارات، مما يجعل الجيش العراقي يفوق على الورق «داعش» عددا وعتادا. المشكلة هي أن الجيش العراقي لن يقاتل، فقد عيّن المالكي السياسيين الموالين له وليس القادة الأكفاء. كما أدت التفرقة ضد السنة إلى خفض الروح المعنوية للجنود السنة، الذين لا يريدون القتال من أجل حكومة تحتقرهم.

والأسطورة الخامسة والأخيرة هي أن «الدولة الإسلامية» تريد قتال الولايات المتحدة. وكان البغدادي قال عند إطلاق سراحه من سجن في العراق عام 2009 لسجانه الأميركان «أراكم في نيويورك»، وتلك عبارة تبدو مخيفة الآن. وفي 25 مايو (أيار)، نفذ منير محمد أبو صالحة، وهو مواطن أميركي يطلق على نفسه اسم «أبو هريرة الأميركي»، عملية انتحارية في سوريا. ويضم تنظيم داعش عدة آلاف من الأوروبيين الذين تساعدهم جوازات سفرهم على دخول الولايات المتحدة بسهولة، وقد ينفذ أحد الأميركان المائة الذين ذهبوا إلى سوريا هجوما عند عودتهم.

لدى تنظيم داعش بالتأكيد المقدرة على أن يشكل تهديدا على أميركا، وعلى الاستخبارات وخدمات إنفاذ القانون البقاء يقظة. ولا يبدو أن «داعش» تركز حاليا على الولايات المتحدة، ولا تعد القتال ضد الغرب من أولوياتها، وهذا بالتأكيد سبب من أسباب انفصال «داعش» عن «القاعدة». قد تكون عبارة البغدادي عن نيويورك نقلت بصورة مضللة أو ربما كانت نكتة، حيث إن الكثير من حراسه كانوا من نيويورك. لكن الأهم من ذلك هو أن أفعال «داعش» تشير حتى الآن إلى أنها تريد الاستفادة من مجندين غربيين كوقود لحروبها المحلية والإقليمية. وأولويات «داعش» هي تكوين دولة إسلامية والحفاظ عليها لقتال «الملحدين». إن «داعش» تشكل تهديدا على العراق وعلى استقرار المنطقة. لكن، على إدارة الرئيس أوباما أن تحذر من تصديق دعاية التنظيم أو أن تفترض أنه سيصبح أقوى حتما.

* خدمة «واشنطن بوست»