ماذا بعد «الخلافة» الافتراضية؟!

TT

هل دخل المصير السياسي العربي عصر الافتراضية؟ فمشهد «أبو بكر البغدادي»، وهو يعلن قيام الدولة الإسلامية، ونفسه خليفة على المسلمين، لا يمت إلى الواقع بشيء - كما وصفه أكثر من مسؤول أو مراقب - إنه أشبه بفيلم سينمائي أو بتمثيلية رديئة، وفي أحسن حال تركيبة افتراضية على الإنترنت.. سوى أن التمثيلية، هذه المرة، أضخم حجما مما سبقها من مغامرات افتراضية، وأن ممثليها يحتلون أو يتحكمون في قسم من أراضي سوريا والعراق. وأدخلوا على الصراعات الدامية الأخرى في منطقة الشرق الأوسط، وتشابك المصالح الدولية والإقليمية فيها، عنصرا إضافيا يدفع إلى خلط أوراق التحالفات من جديد. وإلى طرح أكثر من سؤال.

سؤال أول: كيف يفسر انهزام الجيش العراقي المؤلف من مئات الألوف والمجهز بالطائرات والمدرعات أمام مقاتلي «داعش»، الذين لا يزيد عددهم في أفضل تقدير عن بضعة آلاف؟ أولا يجوز الظن بأن هذا الانتصار العسكري الداعشي والسيطرة على قسم من الأراضي العراقية والسورية كان جزءا من خطة النظامين العراقي والسوري لحمل الدول الكبرى، الغربية والشرقية، على دعمهما بوجه هذا «الخطر الإسلاموي الجهادي الجديد المتصاعد»؟

سؤال ثان: كيف يمكن تفسير أو تبرير اتفاق واشنطن وطهران على دعم المالكي وشبه سكوت واشنطن عن النظام السوري، مع العلم بأن إيران لم تتوقف عن دعم النظام السوري، وبأن الولايات المتحدة ودولا إقليمية صديقة لها، تواصل دعمها المالي والسياسي للمعارضة السورية؟

سؤال ثالث: كيف توفق قطر بين دعمها للمعارضة السورية (ولكن أي فريق منها) وتوقيعها مع إيران اتفاقية حول استثمارات مشتركة؟ فمهما قيل تبريرا لذلك من أن السياسة شيء والاقتصاد شيء آخر، فإن المشروع الإيراني في المنطقة لا يستثني أحدا، شئنا أم أبينا، كان ولا يزال في أساس انبعاث النزاع السني - الشيعي، في المنطقة.

سؤال رابع: النظام الحاكم في إيران نظام ديني إسلامي شيعي. ومن المفترض في أصحابه أن يعتبروا كل الجماعات والتيارات الإسلاموية السنية الجهادية أو الأصولية خصما. ولكن واقع الحال ليس كذلك؛ إذ ثبت أن طهران آوت أو حمت أو ساعدت جماعات إسلامية سنية متطرفة، وأنها لعبت دورا في ضرب هذه الجماعات بعضها ببعض في سوريا، وربما في لبنان.

سؤال خامس حول الغياب القومي العربي عما يجري في المنطقة من معارك تقرير مصير؛ ففي نظر مراقبين غربيين هناك ثلاث دول باتت تمسك بيدها خيوط اللعبة في المنطقة، وهي إيران وتركيا وإسرائيل. ولم يبق في الساحة سوى دولتين عربيتين مؤهلتين بتكتلهما، للوقوف في وجه هذه الهيمنة غير العربية على المنطقة، وهما مصر والسعودية. ومن هنا تبرز خطورة المعركتين الدائرتين في سوريا والعراق، اللتين يتعلق بمآلهما بقاء هذين البلدين داخل الأسرة القومية العربية، أو تفككهما وخروجهما عن المصير العربي المشترك.

تساؤلات تصعب الإجابة عنها في خضم تشابك المصالح الدولية والإقليمية، وانبعاث الرواسب العرقية والطائفية والمذهبية وما تفرع عنها من أحزاب وتكتلات وتحالفات. كما يصعب التنبؤ بما ستؤول إليه هذه النزاعات على المدى القريب، إلا أن أفدح ما في هذه المأساة القومية العربية وفي هذا الاستخدام للدين ذريعة للوصول إلى الحكم هؤلاء الملايين من المشردين واللاجئين أو القابعين في منازلهم لإنقاذ حياتهم وحياة أولادهم. هو هذا الانفراط للأسرة القومية العربية، هو تسخير سواعد شبان عرب لقتل شبان عرب ومسلمين مثلهم. هو تعطيل عملية البناء والإنماء والتقدم في معظم الدول العربية، وهدر الطاقات والأموال في التقاتل بين الإخوة.

إذا كانت مسيرة العرب النهضوية الحديثة انتهت بعد مائة عام إلى ما انتهت إليه في سوريا والعراق، بإعلان الدولة الإسلامية الداعشية الافتراضية، وتفكيك الأوطان العربية إلى دويلات عرقية وطائفية، فبئس هذه المسيرة، أو بالأحرى بئس من سخروها لخدمة طموحاتهم الشخصية.

وبئس غد تعد به هذه القوى السياسية الجديدة، التي تنادي بالسيطرة على العالم، وهي أعجز عن صنع سيارة أو تصليح كومبيوتر.