ضج الحديث عن التعاون العسكري بين السعودية والولايات المتحدة بين ناف ومؤكد وراغب وكاره، وهو جدل قديم خاصة بالنسبة للإعلامين العربي والاميركي، ترتفع وتيرته مع الظروف السياسية كما حدث في فترة ارتفاع اسعار النفط في السبعينات، او في حربي 67 و73، وعند محاولات عرقلة الصفقات العسكرية، مثلما حدث مع الإواكس وقبلها مقاتلات الـ«اف ـ 15»، واتذكر انني عثرت اثناء مراجعاتي على خبر نشر في الصفحة الاولى في «النيويورك تايمز» في أواخر الخمسينات عن منع شحن دبابات اميركية الى السعودية تقريبا لنفس الاسباب الحالية التي تساق اليوم حتى بعد مرور نصف قرن على تلك الحادثة. وفي هذا السياق أعتقد ان خير درس سمعته عن مثل هذه المهاترات عندما زرنا رئيس الامارات العربية المتحدة في ندوة صحفية قبل نحو اثني عشر عاما في مناسبة ذكرى قيام دولة الامارات العربية المتحدة. فقد قام احد الاعلاميين الثوريين ووجه سؤالا استبقه بمقدمة طويلة أثنى فيها على تاريخ الامارات في محاربة الاستعمار البريطاني وما بذله الاماراتيون من جهود لمكافحة وطرد المستعمر، فأجابه الشيخ زايد مبتسما بقوله «يا أخي نحن لم ندخل في معركة ولا حرب مع الانجليز ولم نطردهم بل خرجوا بناء على اتفاق ودي معنا». كان الرئيس الاماراتي صادقا مع نفسه وشعبه خلافا لبعض القيادات الثورية التي تريد ركوب موجات المزايدة الوطنية فتقول غير ما تفعل وراء الابواب المغلقة.
وهذا الامر ينطبق على السياسة السعودية ـ الاميركية التي ظلت دائما واضحة بلا مزايدات، ولهذا يسعى طرفان الى تخريبها دائما; طرف عربي كاره للنظام السعودي، وطرف غربي ايضا كاره لنفس النظام، ويعلمون جميعا ان علاقة عمرها سبعون عاما لا بد ان تكون قوية لتصمد كل هذا العمر غير المألوف في تاريخ العلاقات الدولية. نجت العلاقة من محاولات التخريب من قبل اليساريين والقوميين المتطرفين العرب، كما خيبت محاولات مؤيدي اسرائيل تعطيلها، مثلما اعجزت بن لادن عن قطعها وقد كانت هدفه الاول منذ تسع سنوات. وهي بكل صدق ليست علاقة قائمة على المحبة، بل لا بد ان الاميركيين اقرب في حبهم، ان وجد، الى عرب آخرين لكنهم يدركون جيدا ان السعودية هي اكبر محطة بنزين في العالم، وهذا يضعها على رأس الدول المهمة والمعنية بالاستقرار. والسعوديون بدورهم راهنوا على علاقة حسنة مع الولايات المتحدة مبكرا في مطلع تشكلها دولة مؤثرة في العالم، سياسيا واقتصاديا، بدأها بفراسة مؤسس الدولة السعودية الحديثة الملك عبد العزيز، شاعرا ان القوة الاميركية بكل ما قد تختزنه من اشكالات ليست وصيفا للقوى الاوروبية القديمة ببعدها الجغرافي ورفضها للاستعمار وشعورها بالقوة الذاتية. وخير للعلاقات بين البلدين ان تبقى في مناخ صريح فيه اتفاق على احترام الاختلاف متى ما وجد، كما رأينا في الموضوع الفلسطيني، بنفس الصراحة التي ظهرت في مكاتبات ولي العهد السعودي، من دون ان يغير من الشعور بأهمية الآخر. ومهما كتبت صحيفة «الواشنطن بوست» عن اصولية السعودية الدينية، او رددت محطة «الجزيرة» عن امركة السعودية، فان الحقيقة تبقى ان الحاجة والعقل والتاريخ خير مثلث لمثل هذه العلاقة.