مصير الإخوان بعد سقوط مرسي

TT

بعد مرور ثمانية وخمسين عاما على حل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، استطاعت الجماعة العودة إلى الميدان والسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد، وخرج قادتها هاربين من سجن وادي النطرون في طريقهم إلى قصر الرئاسة. وبعد عشرات السنين من الحبس والاعتقال، أصبح سجناء الأمس رؤساء للشرطة التي اعتقلتهم، كما فرضوا سيطرتهم على القوات المسلحة والمخابرات التي طالما هددتهم، وصار الرئيس مرسي الإخواني قائدا أعلى للبلاد يملك كل مفاتيح السلطة في يده. إلا أن قادة الإخوان سرعان ما نسوا أن هذه النعمة التي حلت عليهم، لم تكن سوى منحة من شعب مصر الذي اختارهم ليقودوا مسيرته، فراحوا يتصرفون في البلاد وكأنهم ورثوا الأرض ومن عليها، ووضع الرئيس نفسه وجماعته خارج دائرة المساءلة السياسية أو القانونية، في تعالٍ على الجماهير التي أوصلته إلى قصر الرئاسة.

فبينما أراد شعب مصر بناء نظام سياسي يهدف إلى رفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء، في ظل مجتمع مدني ديمقراطي يحمي الحرية ويسمح بالتعددية، رفض الإخوان فكرة الدولة المدنية كما رفضوا الاتفاق على الدستور الذي انفردوا بكتابته. وتبين للمصريين أن الهدف الرئيس لجماعة الإخوان هو فرض سيطرتها على جميع مناحي الدولة المصرية أولا، ثم استخدام بلادهم قاعدة لإسقاط حكومات الدول العربية بالقوة، وإقامة خلافة تتولى تنفيذ ما تعتقد أنه الحكم الإلهي المقدس.

كان تحقيق الأمن على رأس الوعود الخمسة التي تعهد بها محمد مرسي عند تسلمه رئاسة الجمهورية في العام الماضي، خلال مائة يوم من تسلمه السلطة. ورغم أن رجال الشرطة قد حاولوا بالفعل تنفيذ وعد الرئيس مرسي، إلا أن فريقا جديدا من الخارجين على القانون ظهر مؤخرا في الشارع المصري، لم تتمكن الشرطة من التعامل معه. فقد ظهرت ميليشيات مسلحة من شباب الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس – وتحالفت معها ميليشيات حماس والجماعات الجهادية – قاموا بقتل وخطف المدنيين والعسكريين خاصة في سيناء، ولم يسمح الرئيس بالتعامل الأمني معها.

وبعد مضي عام على تولي محمد مرسي الرئاسة، أيقن المصريون أن بلادهم قد وصلت بالفعل إلى مرحلة حرجة لا يعرف أحد متى ولا كيف تنتهي. ازداد التوتر في الشارع المصري بشكل كبير ولم يعد أحد يعرف من هو المسؤول عن انهيار الأمن. كما واجه الاقتصاد المصري انتكاسات عديدة، حتى أصبح الآن مهددا بالانهيار التام بسبب عدم استقرار الوضع الأمني والسياسي، واختفى السياح وهربت رؤوس الأموال من البلاد وارتفعت معدلات التضخم وازداد حجم العجز في ميزان المدفوعات، كما انخفض احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي وانخفض سعر الجنيه المصري مقابل الدولار بشكل كبير.

وبعد أن رفض الدكتور مرسي كل محاولات التوافق والمصالحة بين القوى السياسية، ورفضت جماعة الإخوان حضور اللقاء الذي دعا إليه قادة الجيش للوصول إلى حل للخلافات السياسية، أدرك المصريون أن الطريق صار مسدودا أمامهم، وخرج أكثر من 17 مليون مصري في 30 يونيو (حزيران)، في مظاهرة تحميها الشرطة وتباركها القوات المسلحة للمطالبة بإسقاط الرئيس وإنهاء حكم الإخوان، الأمر الذي أغضب الإخوان وهددوا شباب التمرد، وأعلنوا الجهاد دفاعا عن الرئيس، كما هددوا بأنهار من الدماء ستسيل حماية لقدسيته وشرعيته.

صرخ شعب مصر مطالبا الجيش بحمايته من تهديدات الإخوان، ورغم أن القوات المسلحة ليس لديها أية نية للانقلاب العسكري أو لإقامة حكم يشبه ما حدث في 23 يوليو (تموز) 1952، فقد اعتمدت على حالة الضرورة استجابة لمطالب الجماهير. وكما قال عبد الفتاح السيسي فليس من الممكن أن يقف الجيش مكتوف الأيدي بينما يتهدد الشعب ويصبح الأمن القومي في خطر، وفي هذه الحالة أصبح للجيش الحق في النزول إلى الشارع دون حاجة إلى قرار من الرئيس. إلا أن جماعة الإخوان – التي كانت ترغب في تحطيم إرادة الشعب المسالم بميليشياتها المسلحة – فوجئت بنزول الجيش الذي اعتبرته انقلابا عسكريا. وقال عصام العريان رئيس حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان إن الجيش لا يجوز له إصدار إعلانات دستورية، ودعا القوات المسلحة إلى مراجعة مواقفها المؤيدة للشعب.

فهل يخضع الإخوان لإرادة الشعب وينضمون إلى صفوف المعارضة ليشاركوا في صنع مستقبل الوطن، أم يصروا على تهديداتهم ويعودا جماعة محظورة كما كانوا من قبل، علما بأن أبواب دول الخليج لن تكون مفتوحة أمامهم هذه المرة؟