السخاء الأوروبي

TT

مع بدء انسحاب القوات الاسرائيلية من الأراضي الفلسطينية، بدأ الدعم العالمي للمناطق المنكوبة بتجميع قواه لتقديم المساعدات الطارئة. وفي مقدمة هذا التحرك، جاء الدعم المالي للاتحاد الأوروبي، بتقديم 300 مليون دولار فورا، وهناك مبادرات جارية لحشد المساعدات تقوم بها البلدان العربية والاسلامية.

وعلى الرغم من عرض الاتحاد الأوروبي السخي لكنه أقل مما طالبت السلطة الفلسطينية به، والذي يبلغ 500 مليون دولار. إضافة إلى أن هذا المبلغ لن يغطي سوى خمس ما هو مطلوب لإصلاح الدمار الذي أصاب البنى التحتية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، نتيجة للعدوان الاسرائيلي الأخير.

هناك آلاف العوائل الفلسطينية التي فقدت منازلها أو معيليها أو مصادر عيشها، وتركت بدون أي برنامج ينظم تقديم التعويضات لها.

كما ان معظم ما دمرته إسرائيل كان قد تم بناؤه بمساعدات أجنبية، وهذا يتضمن مبلغ الـ 1.2 بليون دولار الذي تبرع به الاتحاد الأوروبي. وما يحمله هذا المسار للاحداث، من معنى أخلاقي، يتحدد بحقيقة أن إسرائيل دمرت ما ساعدت بقية بلدان العالم ببنائه للفلسطينيين.

مع ذلك، فان مبلغ الـ 300 مليون دولار من الاتحاد الأوروبي، لن يحل محل وضع برنامج شامل لإعمار المناطق الفلسطينية.

فالفلسطينيون بحاجة الى دعم سياسي لإنشاء دولتهم المستقلة، وبالتالي هم لا يستطيعون بناء مستقبل مشرق على أساس المعونات الأجنبية التي يمكن محوها من قبل إسرائيل كلما أحب شارون أو خلفاؤه ذلك.

فهل يسعى الاتحاد الأوروبي، بهذه المبادرة السخية، لتغطية عجزه السياسي؟

هذا السؤال يمتلك شرعيته، لأن الاتحاد الأوروبي أصدر الكثير من الانذارات لاسرائيل، لكنها في الأخير تصرف كفأر يزأر. إذ يجب أولا إيقاف التسهيلات الجمركية، التي تتمتع بها البضائع الاسرائيلية، لكن ذلك لم يحدث بعد.

من جانب آخر، يجب تخفيض العلاقات التي تجمع الاتحاد الأوروبي بإسرائيل في مجالي الثقافة والعلوم، وهذا لم يظهر بعد.

كذلك هي الحال مع اجراءات الحصول على سمات الدخول، التي يستلزم التشدد فيها مع إسرائيل، لكن هذا لم يتمّ ايضاً حتى الآن.

بل حتى المقترح الذي يطالب إسرائيل بتقديم تعويضات لما دمرته، أو تقديم جزء منها، قد تم التخلي عنه من قبل الاتحاد الأوروبي، حتى قبل مناقشته.

وأخيرا، فان الاتحاد الأوروبي، عجز حتى عن صياغة إدانة شفهية قوية لمساعي إسرائيل الحثيثة في تخريب مهمة كشف الحقائق المتعلقة بمخيم جنين.

يمكن القول ان الشرق الأوسط ليس المنطقة الوحيدة في العالم التي يحاول الاتحاد الأوروبي فيها أن يعوض ببعض المساعدات المالية الموقف السياسي وما يتطلبه من إجراءات. والمشكلة تكمن في عجز الاتحاد الأوروبي على تطوير سياسية خارجية قوية تعكس ما يمتلكه الاتحاد من قوى اقتصادية وثقافية ودبلوماسية.