شارون وحماس.. والأطفال

TT

اعترى القلق النائب اليميني المتطرف يوري ارييل، من حزب الاتحاد الوطني. فهو كان ينتظر ان تدخل القوات الاسرائيلية غزة والخليل خلال عملياتها في الضفة الغربية، لكنها لم تفعل ما كان ينتظره، فاستفسر من ارييل شارون عن الامر، فجاءه الجواب بانه لا يستبعد ان تقوم القوات الاسرائيلية بعملية واسعة وعميقة في غزة، فالزخم الدموي لم يصب بضعف بعد ولن «يكون هناك مكان للارهابيين»، وتساءل شارون بمثابة اعتراف، بأنه لم يدمر بعد الاجهزة الامنية الفلسطينية في غزة، بمعنى انه قضى عليها في الضفة الغربية، لكن «العمليات الارهابية ما زالت في كامل قوتها هناك». ربما قصد شارون صبية حي الشيخ رضوان الثلاثة الصغار يوسف زقوت وانور حيدر واسماعيل ابو نادي، اكبرهم في الرابعة عشرة من العمر، الذين ارادوا الانتقام لمقتل صديقهم ابن الرابعة عشرة هو الآخر، هيثم ابو شوكة الذي «شن هجوما» وحده على مستوطنة هناك، فقرروا اتمام ما بدأه، حسب اعتقادهم، فاذا برصاصات الجيش الاسرائيلي تنخر اجسادهم الطرية قبل ان يصلوا، وكان كل ما بقي منهم رسائل الى امهاتهم وآبائهم: سامحوني او افرحوا لي أو تمنوا ان تنجح عمليتي من اجل ارضي! مشكلة الاطفال الفلسطينيين الذين جعلوا شارون يفكر باكتساح غزة، مضاعفة، ونشكر حركة حماس التي ربما هزتها اخيرا هذه النهاية المؤلمة لمصير اطفال كانوا حتى الامس القريب جدا يحبون على الارض، ما رأوا في حياتهم القصيرة الا وجوها تدعو الى الموت، ما لمعت عيونهم لزهرة وما كبر الحلم في اعماقهم لانهم لم يحلموا.

اسرائيل علمتهم اليأس، والعمليات الانتحارية كانت كل ما لديهم لتقليدها، فهل ارتدت نتائجها اليوم على الابرياء الفلسطينيين؟ ان مصيرهم المأساوي مسؤولية يتحملها قادة الاحزاب والمجموعات والحركات الفلسطينية، وعليهم بالتالي ان يبذلوا المستحيل وليس فقط اصدار بيان، لحماية الاطفال الباقين، لقد حان وقت ان يضحي الكبار من اجل الاطفال، اما مسؤولية اسرائيل فنتركها للتاريخ وربما للشعب الاسرائيلي نفسه، فهل يمكن لصبية صغار ان يثيروا هذا الفزع القاتل لدى الجيش الاسرائيلي المدجج بالسلاح، وهل يمكن لاحجام اجساد هؤلاء الاطفال ان تكون طالت فصار كل منهم، بعيون الجيش الاسرائيلي، بحجم مارد عملاق، فكان لا بد من ان يمطروهم بالرصاص الغزير؟ وهل يكفي ام هل انه مقنع تبرير الجيش الاسرائيلي في دفاعه عن عملية القتل التي ارتكبها، بان الصبية كانوا يحملون قنابل من صنع محلي بدائي وفؤوسا وسكاكين؟! اما الاهالي فعليهم ان يحموا اطفالهم من التجمعات والمآتم ومن مشاهدة ما تبثه الفضائيات التلفزيونية كل مساء وطوال الليل من مشاهد القتل والتدمير واليأس، فليس هذا كل ما في العالم، هناك وجه آخر لهذا العالم وهو وجه جميل. لا تسمحوا لهم بمشاهدة الرعب الحي في النهار وفي الليل، الرعب الحي موجود وعلى الكبار معالجته وليست مهمة الاطفال انقاذ الكبار من هذا الرعب واليأس او تحقيق احلامهم.

ومن اجلهم، من اجل كل الاطفال الذين رحلوا، على الواعين في غزة ان يوصلوا صور اجسادهم المنخورة الى المكتب البيضاوي في البيت الابيض وان يرسلوها بالذات الى شارون، ودعوا عيونهم التي اطفأها تلاحقه حتى لحظاته الاخيرة.