أوروبا... الشاردة

TT

أحدث تقرير وضعه «المؤتمر اليهودي الاوروبي» يفيد أن الكنائس والمدافن والمؤسسات اليهودية في دول الاتحاد الاوروبي تعرضت، خلال الاسابيع الثلاثة المنصرمة، لاكثر من 300 اعتداء، مما استدعى الدعوة لاجتماع طارئ للقيادات اليهودية ـ الاوروبية في بروكسل لبحث ما وصفه المؤتمر اليهودي بـ«تياراللاسامية المتنامي» في القارة الاوروبية ـ او بتعبير غير منحاز للقاموس اليهودي ـ تيار معارضي المنحى الايديولوجي الصهيوني لحكومة ارييل شارون. يجري ذلك في وقت تتكرر فيه انتقادات العديد من الحكومات الاوروبية لسياسة اسرائيل، ويؤكد فيه الناطق باسم وفد من 19 برلمانيا اوروبيا زار الضفة الغربية قبل ايام ان «الاغلبية في البرلمان الاوروبي والرأي العام الاوروبي تدين بشدة سياسة شارون »، وتظهر فيه استطلاعات الرأي في كل من بريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا ارتفاعا مطردا في نسبة المتعاطفين مع الفلسطينيين الى حد بلوغهم، في بريطانيا ضعف مؤيدي اسرائيل ـ حسب استفتاء اجرته مؤخرا صحيفة «الغارديان». مع ذلك، تبقى الصورة في الولايات المتحدة مغايرة تماما للصورة الاوروبية، فأحدث استطلاع للرأي العام الاميركي أفاد بان نسبة مؤيدي اسرائيل تبلغ 41 في المائة مقابل 13 في المائة فقط من المتعاطفين مع الفلسطينيين. لافت اتساع الفارق في تأييد اسرائيل بين الشارعين الاوروبي والاميركي. وان صح تجاوز موجبات العلاقة الاستراتيجية الرسمية بين واشنطن وتل ابيب في تفسير هذا الفارق، فان «الفضل» فيه لا يعود الى أسبقية الاوروبيين في الانعتاق من اسر الـ (Taboos)، أو المحرمات اليهودية ـ وفي مقدمتها المجازفة بالتعرض لتهمة العداء للسامية في حال انتقاد اسرائيل ـ بقدر ما يعود الى تباين اوروبي ـ اميركي على صعيدي معطيين اساسيين :

* الخلفية الانجيلية لمعظم المتدينين الاميركيين المتأثرين بالعهد القديم مقارنة مع الخلفية الكاثوليكية ـ وما تمثله من التزام بالعهد الجديد ـ لابناء الدول الاوروبية المؤثرة في الاتحاد (فرنسا وايطاليا واسبانيا... ). والمعروف في الولايات المتحدة ان العديد من الانجيليين الاميركيين يعتبرون انفسهم قريبين «دينيا» من اسرائيل وان النسبة الكبرى من مؤيديها من مواطني «حزام ولايات الكتاب المقدس» (belt ـBible ) ـ مثل ميسيسيبي والاباما ـ حيث لا توجد كثافة يهودية تبرر هذا الدعم.

* النفوذ الواسع للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وهو نفوذ يتيح لليهود الاميركيين ممارسة تأثير مباشر على القرار السياسي يفوق حجم الجالية اليهودية التي لا تبلغ نسبتها أكثر من 2 في المائة من مجموع السكان، اضافة الى ان هذا اللوبي يركز تحركه على السياسة الخارجية للولايات المتحدة وخصوصا على استمرارية الدعم المالي الوافر والعسكري الكبير لاسرائيل. وعلى صعيد ادارة الرئيس جورج بوش بالذات، يظهر حجم النفوذ الصهيوني من عدد اليهود بين كبار مساعديه، وهو عدد لا يتناسب مع حجم الجالية اليهودية، فبول وولفوويتز وريتشارد بيرل ودوغلاس فيث كلهم يهود وكذلك «صقر» الديمقراطيين الابرز في الكونغرس، جو ليبرمان. قد يكون السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: إذا كان اللوبي الصهيوني قادرا على ممارسة نفوذ يفوق حجم الجالية اليهودية في الولايات المتحدة فلماذا يحجم عن لعب هذا الدور في اوروبا ويترك دولها «تشرد» عن نفوذه؟ الجواب الواقعي يكمن، قطعا، في المعادلة الراهنة لموازين القوى في عالم ما بعد الحرب الباردة... فمن كان مربط خيله في واشنطن لا حاجة له «لمعلف» آخر.