10روبلات لتدخل مدينتك

TT

تبحث ثلاث قوى عن الارهاب في ثلاثة امكنة: افغانستان. حيث تبخَّر الكبار وقبض على الصغار، وغروزني حيث يقال ان «الخطاب» قتل كما يقال انه لم يقتل. ورام الله حيث الحركة اسيرة والروح طليقة. وفي هذه الحملة على الارهاب، دعونا نقر ان التصرف الاميركي في افغانستان مختلف ـ بقدر ما نعرف ـ عن حملة الابادة التي يقوم بها شارون، وعن حملة الالغاء من الوجود التي قام بها فلاديمير بوتين. لقد حاول الاميركيون، على الاقل في العلن، تجنب المدنيين. وذكر ان الملا عمر نفسه نجا من محاولة اغتيال من الجو لأنه كان موجوداً بين مجموعة من الناس. اما ما حدث في غروزني وما حدث في جنين فهو جريمة موصوفة معلنة وحرب ابادة، حتى في التعبير الذي استخدمه العسكريون الاسرائيليون الذين تمردوا على الخدمة في الضفة الغربية. والاكثر خبثاً في الحالات الثلاث هي حال غروزني التي حولها الروس الى مدينة مدمرة مهجورة وحاصروها من كل المداخل ومنعوا الصحافة العالمية من الوصول الى مسرح الاشباح والقتل والجرائم اليومية. وقد تخفت الصحافية الفرنسية ناتالي نوغاريد في زي امرأة شيشانية لتعبر احد الحواجز على مداخل غروزني. وقرب الحاجز رأت يافطة كتب عليها الجنود بالاحرف الروسية: «10 روبلات على كل من يود الدخول».

وتقول الصحافية: «كل يوم يختفي عدد من الرجال دون اثر، ينتزعهم من بيوتهم جنود مقنعون. ومن الصعب ان تلتقي امرأة شيشانية، سواء كانت اماً او زوجة او اختاً، ليست في معرض البحث عن مفقود. وفي كل يوم يتم العثور على جثث مقطعة ومفجرة ومن الصعب التعرف عليها». وتصف الصحافية جولة بين الجثث والرؤوس المقطوعة في انحاء المدينة «ولقد اصبح هذا مشهداً يومياً في غروزني. وما يبقى من الجثث التي يعثر عليها ينقل الى اقرب مسجد، حيث تمر النسوة امام البقايا في محاولة للتعرف على المفقودين».

ويقدر احد الاطباء عدد القتلى منذ بداية الحملة العام 1999 بحوالي 150 الف شخص. ومن اصل مليون لم يعد يعيش داخل حدود الشيشان سوى حوالي 300 الف مواطن. الباقون لاجئون. والى جانب الموت اليومي هناك حالات الاغتصاب والاذلال والابتزاز والترهيب، والاصوات الدولية صامتة لأنها ممنوعة من الدخول. والغرب يغض النظر عن الشيشان لأن روسيا البوتينية تغض النظر عما يجري في افغانستان. والاثنان يتخذان موقفاً متهرباً في فلسطين. وفي الحالات الثلاث يصار الى تفكيك اواصر البلد وروابطه. كما تجري في الشيشان اعادة بعض العائلات الروسية على طريقة المستعمرات الاسرائيلية التي هي في الواقع مدن صغيرة. وثمة 200 الف مستوطن في الضفة الغربية وحدها. وكان وزير الخارجية الاميركية الاسبق جيمس بيكر قد دعا اسرائيل العام 1989 «الى وقف بناء المستعمرات والتوقف عن الحلم باسرائيل الكبرى». وبعد 12 عاماً لا تزال اسرائيل تدير ظهرها للدعوات الاميركية. ويقول يوري افنيري الذي يضع سيرة لشارون استناداً الى حوارات معه، ان «الحد الادنى بالنسبة اليه هو تمزيق الضفة بشريط من المستعمرات، والحد الاقصى هو طرد جميع الفلسطينيين بمن فيهم اولئك الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية».

يستحسن في هذه المعمعة البحث عن قواعد لضبط الارهاب الرسمي العسكري المعلن. الارهاب الذي تستطيع كاميرات العالم ان تصوره وذلك الذي تمنع من تصويره في غروزني حيث لم يعد احد يسمع بالمدينة الا اذا جاء خبر عن مقتل الخطاب او نفي له.