ثلاث طرق شاقة نحو السلام

TT

حان الوقت لكي نتراجع قليلا ونستعرض الفرص المتاحة في منطقة الشرق الأوسط. إذ يبدو لسوء الطالع ان مهمة وزير الخارجية كولن باول لم تحدث تغييرا في الحقائق الميدانية. فبينما تمكنت العمليات العسكرية الإسرائيلية من تدمير وزعزعة معظم البنى التحتية للجماعات الإرهابية في الضفة الغربية، يبدو إن إعادة بنائها تعد مسألة وقت فقط. فهي لم تكن عالية التقنية أو باهظة التكاليف، ولا يبدو ان هناك مشكلة في تجنيد المزيد ممن سيحلون مكان أولئك الذين قتلوا أو اعتقلوا. وهكذا يكمن التحدي في وضع خطة سياسية لتحويل الحالة المؤقتة التي وفرها الجيش الإسرائيلي إلى واقع أكثر استدامة. فهل يمكن لأي مؤتمر دولي أن يحقق ذلك؟ لا يبدو إن ذلك ممكن، على اعتبار ان طرفي النزاع سيعملان على إيجاد ظروف تعيق العمل الدبلوماسي ولا تؤدي إلى تغيير الواقع الميداني. فالعرب سيصرون على وجود ياسر عرفات وعلى قبول أميركا بالمشروع السعودي الذي يشمل الانسحاب الكامل كأساس للمؤتمر، فيما لن يتعامل الإسرائيليون مع عرفات ولن يقبلوا باعتبار مبدأ الانسحاب التام مقابل التطبيع أساسا تقوم عليه المفاوضات.

بالنسبة لعرفات، سيواصل دوره السلبي، وسينتظر ان ينقذه تدخل دولي. وفي مخيلته، يمكن لأي قرار مفروض أن يلقي بكل الضغوط على كاهل الإسرائيليين وأن يجنبه الحاجة لاتخاذ قرار. وهو في الظاهر قد يذعن لقرار مفروض دون أن يكون قد تقبله في واقع الأمر ـ بحيث يعد الساحة لتسوية لاحقة متى ما تسنى للقوى الفلسطينية التي تعارض الحل ممارسة العنف مجددا. اذن ما الذي يمكن فعله؟ هنا نجد أن أمامنا ثلاثة خيارات متاحة في الوقت الحالي. أولها خيار «تجاوز عرفات». وبشكل دقيق يعد هذا الخيار ثوريا. فعرفات هو رمز الحركة الفلسطينية; وفي حالات إمكانية تجاوزه أو نفيه، لا يبدو ان هناك من يمكنه المضي قدما لتبوؤ مكانته خشية أن يوصف بالخيانة. من أجل تجاوز عرفات لا بد من إقناع الفلسطينيين والعرب والأوروبيين بأنه يشكل عائقا أمام السلام. ولا بد أن يثبت المرء ان هناك حلا يمكن الاعتماد عليه لكنه (عرفات) يقف عائقا أمامه.

أما فيما يتعلق بالطرف الإسرائيلي، فيجب على رئيس الوزراء أرييل شارون أن يثبت استعداده للتعامل مع أفكار طموحة تستجيب لتطلعات الفلسطينيين. فقيام دولة فوق نصف مساحة الضفة الغربية لن يكون مقبولا لدى أولئك الفلسطينيين الذين يرغب معظمهم في العيش بسلام مع إسرائيل. وسيتوجب أن يشعروا بأنهم ومع قيادة تبدو مستعدة، بخلاف عرفات، للوفاء بالتزاماتها وبتحمل مسؤولياتها، سيتسنى لهم الحصول على معظم الأرض، وعلى حل عادل ومقبول بشأن القدس واللاجئين، وذلك لا يمكن حدوثه مع عرفات.

هل يستطيع شارون تقديم خطة سياسية ثورية ينبع مصدرها من السعي لتجاوز عرفات؟ وهل يمكنه أيضا تبني أو تأييد طرح الولايات المتحدة حلا للنزاع يمكن أن تتوفر له مصداقية دولية؟

إذا لم يكن قادرا على ذلك ـ كما يبدو الأمر إلى حدما في الوقت الحالي ـ فهناك خيار ثان، أكثر تقليدية ويتمثل في: وضع إطار زمني لالتزامات ثنائية. وفي الوقت الراهن، يمكن للمفاوضات السياسية ولبرنامج عمل متعلق بمفاوضات الوضع النهائي، إضافة إلى الالتزامات الأمنية، أن تتكامل في جدول زمني يتضمن أياما محددة بدقة، بحيث يتولى مراقبون ضمان المساءلة والعواقب الناتجة عن الإخلال بالالتزامات.

ومن أجل تحريك العملية السياسية بشكل أكثر فعالية، لا بد من الاعتراف بدولة فلسطينية فوق مساحة 40 بالمائة من الضفة الغربية و60 بالمائة من غزة، حيث يتحمل الفلسطينيون المسؤولية من ناحية نظرية على الأقل، خلال موعد زمني. وعلى افتراض إن الفلسطينيين سيفون بالتزاماتهم، فإن المفاوضات ستتم بين طرفين متساويين من حيث المسؤولية القانونية. وسيكون للفلسطينيين وضع دولي جديد يماثل وضع إسرائيل. حينها سيحققون مكاسب سياسية، بينما سيتوفر الأمن لإسرائيل.

وهذا الخيار يفترض أن يفي الطرفان بالتزاماتهما. وما سيقدمه شارون بقبوله مثل هذا الجدول الزمني، بما في ذلك الالتزام الذي قد يتطلب تجميد بناء المستعمرات والاعتراف بدولة فلسطينية، يعد ثنائي الأبعاد: فهو يعد بالسعي التدريجي لمحاولة حل النزاع، كما يوفر فرصة للمضي قدما بالوضع الحالي والتخلص من حالة الرعب. وسيقبل عرفات بخيار الجدول الزمني فقط إذا ما توفر لديه اعتقاد أنه لن يحصل على المزيد، وان الفلسطينيين بحاجة إلى وضع نهاية لمحنتهم والتخلص من عمليات قوات الدفاع الإسرائيلية. وفي ظل هذه الظروف سيشير إلى مكسبه السياسي، المتعلق بتحسن حالة الفلسطينيين، وإلى الضغوط الدولية وهو يمضي إلى الأمام وفقا لهذا الخيار.

وبغض النظر عما سيحققه كل من الطرفين من خيار الجدول الزمني، فإن كلا منهما قد يرفضه. شارون لأنه عقد العزم على عدم التعامل بعد اليوم مع عرفات. وعرفات لأنه يعتقد انه يستطيع التماسك لمزيد من الوقت ولأن كونه ضحية سيدفع الرأي العام باتجاه تأييد الفلسطينيين. يضاف إلى ذلك، وبالنظر إلى الالتزامات المتعلقة بالأمن والتي يتوجب على عرفات الوفاء بها قبل المفاوضات السياسية أو الاعتراف بالدولة، فإن رئيس السلطة الفلسطينية قد يختار ببساطة عدم الاشتراك في العملية.

وهكذا فإن الخيار الثاني قد لا يكون أيسر من الأول. وإذا ما حدث ذلك فإننا على الأرجح سنتجه لخيار ثالث، يتمثل في الفصل من جانب واحد. وبينما لا تؤيد الحكومة الإسرائيلية الحالية الفصل من طرف واحد، تؤيد أعداد متزايدة من الإسرائيليين هذا الخيار. ويطرح أولئك الذين يفضلون هذا الخيار أهمية الانسحاب من المستعمرات في غزة ومن المستعمرات المعزولة في الضفة الغربية. ويدركون ان إسرائيل لا تستطيع الحفاظ على خط دفاعي متماسك طالما يتوجب على أعداد كبيرة من الجنود الدفاع عن أعداد صغيرة من المستعمرين. والانسحاب نحو خط يمكن الدفاع عنه بشكل أفضل عن طريق الأسلاك والمناطق العازلة لا ينظر إليه باعتباره حلا للنزاع بل أسلوبا سيجعل الحياة أيسر بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين أيضا حتى يحين وقت ظهور شريك فلسطيني يمكنه جعل المفاوضات والسلام ممكنين مرة أخرى.

والخيار الثالث يمثل فشلا بالنسبة للدبلوماسية، وليس انتصارا لها. إذ يتضمن المغامرة بإثارة عواطف أولئك العرب الذين يعتقدون بفعالية العنف. فعشرون شهرا من الألم لا تبدو انها كانت أمرا جللا بالنسبة لأولئك الذين سيعتبرون انها أدت إلى انسحاب اسرائيلي جزئي ـ وان استمرار العنف قد يؤدي إلى مزيد من الانسحاب. وإذا ما وجدنا أنفسنا أمام الخيار الثالث فإننا قد نرغب في العمل مع الإسرائيليين لجعل الانسحاب عمليا بقدر الإمكان وللعمل على التوصل لتفاهم بين الفلسطينيين والإسرائيليين لجعل الترتيبات أكثر استقرارا واحتمالا. وربما نفكر أيضا في أهمية الوجود الدولي لملء الفراغ مع تنفيذ الإسرائيليين لعملية الفصل.

وفي النهاية، قد يكون الفصل هو أقل البدائل المتوفرة سوءا. وبالتمسك بالمبادئ المخلصة التي طرحها الرئيس بوش في خطابه الذي ألقاه يوم الرابع من ابريل، سيكون على الإدارة الأميركية أن تستعرض الخيارات الممكنة قبل أن نقوم نحن بذلك، بحيث تتخذ قراراتها الصعبة بمفردها.

* مستشار معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ـ خدمة «واشنطن بوست»