أوروبا تتوحد في معاداة إسرائيل والولايات المتحدة

TT

نادرا ما يحدث في التاريخ المعاصر أن يقف الرأي العام الأوروبي موحدا تجاه ازمة مثل النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي. فمعظم استطلاعات الرأي تشير الى وجود أغلبية ثابتة تفضل الفلسطينيين، والفرق الوحيد بين هذه الاستطلاعات هو في درجة الادانة الموجهة لاسرائيل.

وفي الادانة المشتركة لليسار واليمين الأوروبيين يتضح المثال الأفضل بما جرى في برلين اثناء مظاهرة مساندة للفلسطينيين حيث أحرقت الأعلام الاسرائيلية أثناءها من قبل منظمات يسارية ويمينية. وهذه التظاهرات في أوروبا اصبحت دليلا على تقارب اليمين واليسار في موقفهما تجاه النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي.

وما يبعث على الدهشة هو الاتفاق الشامل الذي طرأ في مواقف أحزاب الوسط الكبيرة، حيث عبّر الكثير من قادتها عن انزعاجهم الشديد من السياسة الاسرائيلية. ولم يحدث، في أوروبا، في العصر الحديث، انحياز كامل لصالح طرف في نزاع ما مثلما الانحياز للفلسطينيين. فلم تكن هناك ازمات في السابق استطاعت ان تجمع موقفا موحدا يشمل الأغلبية بهذا الشكل.

واذا كانت الاحزاب المعتدلة التي تحتل الوسط، والتي تمثل الأغلبية، ظلت بعيدة في مواقفها المعارضة لسياسات الناتو تجاه النزاع في يوغوسلافيا، واكتفاء المواقف المعارضة للناتو باليسار، فإن هذا الوضع تغير تجاه النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي خصوصا منذ بدء الاجتياح الاسرائيلي، فقد انحازت جميع القوى السياسية، بيسارها ويمينها وباحزابها ومنظماتها المعتدلة، الى الطرف الفلسطيني.

اما الموقف الأوروبي المعادي للولايات المتحدة فهو ناجم بالدرجة الاولى من اختلاف في المعايير الأخلاقية، فحينما بدأ الأوروبيون منذ مطلع التسعينات بعملية بناء الاتحاد الأوروبي الشاقة، فانهم اثاروا وجود فروقات على مستوى القيم مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من ان مسألة تحديد أي قيم يلتقي بها الأوروبيون لم تتضح بعد، لكنهم بدأوا يلتقون بشيء مشترك يتمثل في انهم ليسوا أميركيين.

وقد يساعد ذلك على تبرير سبب عدم استمرار الاوروبيين باظهار تعاطفهم مع الأميركيين بعد 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، لقناعتهم بالطابع الابتزازي والتهديدي للولايات المتحدة.

ومع رؤية اسرائيل كامتداد للولايات المتحدة، فإن هذا الموقف السلبي للولايات المتحدة انتقل الى اسرائيل أيضا. فهو ليس بسبب التعاطف مع الفلسطينيين، بل بسبب بغضهم للاسرائيليين، وهو السبب وراء انحيازهم للفلسطينيين مع بدء الاجتياح الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية، وان هذا البغض للولايات المتحدة كان وراء انحيازها لاسرائيل.

* بروفيسور في جامعة ميشيغان