فتنة غوجارات الخطيرة

TT

هل انزلقت الهند الى حافة «التطهير العرقي» ـ او بالاصح «الديني» ـ ضد المسلمين في ولاية غوجارات؟

هذا السؤال لم يعد تساؤلاً عائماً، بل تطرحه بعض الاحزاب المشاركة بالحكومة الائتلافية التي يترأسها اتال بيهاري فاجبايي، احد كبار قادة حزب «بهاراتيا جاناتا» القومي الهندوسي المتشدد. وتدل التقارير التي تنشرها وسائل الاعلام الهندية ويؤكدها اعضاء البرلمان في نيودلهي، ان الصدامات التي وقعت خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، والتي بدأت كصدامات فئوية، انما كانت جزءاً من مخطط مرسوم بدقة لتنفيذ مذابح جماعية ضد المسلمين في غوجارات. ويذكر ان تلك الصدامات اندلعت بعد إقدام مسلحين مجهولي الهوية على مهاجمة قطار كان يقل اعداداً من غلاة الهندوس الى بلدة ايوديا حيث سبق لرفاق هؤلاء هدم المسجد البابري الاثري قبل نحو عقد من الزمن. وقد حمّلت السلطات يومذاك متشددين مسلمين المسؤولية عن الهجوم. غير ان ثمة علامات استفهام كبيرة تفرض نفسها الآن على المشهد برمته، إذ لا يستبعد ابداً ان تكون اصابع هندوسية متطرفة هي التي هاجمت القطار لتبرير ارتكاب مذبحة تنوي تنفيذها ضد المسلمين.

غير ان الشيء الأكيد ان الهجمات «الانتقامية» اللاحقة ضد قرى المسلمين واحيائهم جاءت «منظمة» تماماً ونفذت بصورة دقيقة، وكأنما كانت معدة قبل عدة اسابيع. فحسب تقديرات مصادر متعددة لقي بين 800 و2000 من المسلمين حتفهم في حمامات الدم في الولاية. كما اعتدي على مئات النساء ونهبت متاجر المسلمين ومكاتبهم وبيوتهم ودمرت او احرقت. وكانت زمر من اتباع جماعة «فيشوا هندو باريشاد» (الجمعية الهندوسية العالمية) وهي جماعة متطرفة قريبة من حكومة بيهاري فاجبايي، تجوب الولاية لمهاجمة المسلمين وممتلكاتهم تحت شعار «فليخرج المسلمون».

أسوأ من هذا ان ولاية غوجارات هي الولاية الوحيدة من اصل 26 ولاية هندية التي ينتمي حاكمها الى حزب «بهاراتيا جاناتا». ونقل عن هذا الحاكم، واسمه ناريندرا مودي، صراحة قوله انه يريد ان يحوّل غوجارات الى «مثال للبعث الهندوسي». كما اشار علناً الى المسلمين في عدد من خطبه بأنهم «غرباء في هذه الارض»، وانهم «طابور اسلامي خامس». الا ان رئيس الحكومة الاتحادية بيهاري فاجبايي لم يحرك ساكناً في وجه هذا التحريض السافر على الفتنة.

صحيح ان الصدامات الطائفية ليست ظاهرة جديدة في الهند، وان اي مراقب منصف لا يستطيع حصر كل المسؤولية بطرف واحد، بيد ان الجانب الخطير في ما يحدث اليوم في غوجارات هو ان المذابح تبدو وكأنها موحى بها من قوى محسوبة على قيادات الحكومة الحالية. هذا بالذات هو التطور الجديد الخطير. فإذا ما سمح للمسلمين الهنود باعتبار الحكومة الحالية عدواً لهم، وليست حكومتهم، سيكون المستقبل مثخنا بالمخاطر الرهيبة للجميع.

لذا تستحق المأساة التي تشهدها غوجارات اليوم فتح تحقيق شامل في اسبابها، ويجب ان تضطلع بهذا التحقيق الامم المتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامي ومنظمة عدم الانحياز التي كانت الهند عضوا مؤسسا من اعضائها.