شارون يعترف بجريمة الحرب

TT

تواصل اسرائيل محاولاتها في الغاء قرار مجلس الامن القاضي بارسال لجنة تقصي الحقائق، فأخذت تؤجل القيام بمهمتها مرة بعد أخرى بمهل متكررة، كانت اخرها مهلة اربع وعشرين ساعة وربما لا تكون اخرها قبل ان تتخذ تل ابيب قرارها بقبول أو رفض قرار مجلس الأمن بارسال لجنة تقصي الحقائق.

لاقت محاولة اسرائيل الرامية الى الاطاحة بلجنة تقصي الحقائق الادانة من قبل كل الدول باستثناء الولايات المتحدة الامريكية التي اخذت تدعم التأجيل الذي تطلبه اسرائيل لاعمال لجنة تقصي الحقائق بعد ان «تفهمت» واشنطون دوافع الخوف عند تل ابيب من فضح جرائمها امام العالم بكل ما يترتب على ذلك من اتهام لها يوصل رموزها الى المحاكمة على جرائم الحرب التي ارتكبوها، وهي القضية التي اثارها عسكر اسرائيل بقيادة رئيس الاركان شاؤول موفاز محذرا من مغبة استقبال لجنة تقصي الحقائق والسماح لها ببدء اعمالها في جنين لأن هول ما حدث بها من قتل لا يقيم فقط الاتهام ضد اسرائيل وانما يبرهن ايضا على الادانة لها، مما يجعل قرار مجلس الأمن المتخذ في نيويورك، اذا سمحنا بتنفيذه في جنين يصل بكل قادة اسرائيل من السياسيين والعسكر الى المحاكمة في لاهاي وطلب من رئيس الوزارة اريل شارون اصدار قرار يرفض القبول بقرار مجلس الامن القاضي بارسال لجنة تقصي الحقائق.

يبدو ان عسكر اسرائيل يتصورون بضيق رؤيتهم السياسية ان في امكان بلادهم اتخاذ قرار من قبلها ضد قرار مجلس الامن، فيلغي قرارهم الارادة الدولية بتشكيل لجنة تقصي الحقائق، وعبر عن هذا الموقف للعسكر بضيق افقهم السياسي الكاتب امير اورن الذي تتخذه صحيفة هآرتس المعلق العسكري بها، فقال في مقاله المنشور فيها «ان من حق اسرائيل المطلق اتخاذ القرارات ضد القرارات الدولية الصادرة التي تمس بسيادتها، وبالتالي يجبُّ قرارها المستند الى سيادتها بمنع استقبال لجنة تقصي الحقائق حتى لا تباشر اعمالها فوق الارض الاسرائيلية، قرار مجلس الامن، الذي قضى باقامة هذه اللجنة لتقصي الحقائق ويطالب بالحاح بالبدء في اعمالها، يجهل أو يتجاهل الكاتب العسكري الاسرائيلي امير اورن ما جاء بالباب السابع في ميثاق الامم المتحدة الذي ينص على تطبيق العقوبات على الدول التي لا تلتزم بقرارات الشرعية الدولية. وحتى تفيق اسرائيل بفكرها العسكري من غيبوبتها السياسية المتعمدة لتواصل غيها الضال بتبديل الباطل الى حق، والمضل الذي تحاول به اقناع غيرها بالبهتان، نطالب مجلس الامن بممارسة صلاحياته بتطبيق الباب السابع من ميثاق الامم المتحدة ضد اسرائيل الذي يفرض عليها العقوبات الى ان تلتزم بالشرعية الدولية التي تعبر عن الارادة الدولية التي جسدها مؤخرا قرار مجلس الامن القاضي باقامة لجنة تقصي الحقائق. وهذا الالزام لاسرائيل يحتم البدء فوراً بتقصي الحقائق لمعرفة ما حدث في الاراضي الفلسطينية المحتلة والتي استعيد احتلالها من عدوان على الانسان يمثله على الارض المجازر البشرية في جنين وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية التي اجتاحها الجيش الاسرائيلي.

موقف الساسة في اسرائيل وان كان يتفق مع العسكر على ضرورة الغاء لجنة تقصي الحقائق، فإنه يختلف في المعالجة التي تأخذ مساراً يستند الى معرفة حجم نفوذهم في داخل امريكا الذي وظفوه في تجميد قرارات مجلس الامن حتى اصبحت الارادة الدولية لا تزيد عن مجرد «حبر على ورق». والسوابق التاريخية في تجميد قراري مجلس الامن 242 و 338 القاضيين بالارض مقابل السلام والقرار 1397 المتعلق باقامة الدولة الفلسطينية، والقرارين 1402 و1403 بوقف اطلاق النار، جعل الساسة الاسرائيليين يؤمنون بقدرتهم على تجميد قرار مجلس الامن الخاص بلجنة تقصي الحقائق عن طريق منعها من القيام بمهمتها دون ان يستطيع مجلس الامن اللجوء الى الباب السابع من ميثاق الامم المتحدة بالفيتو الامريكي الذي استخدم مؤخرا قبل ايام معدودة، فلغى الارادة الدولية بمنع صدور قرار مجلس الامن الذي كان يتطلع الى ارسال قوات دولية تحت مظلة الامم المتحدة لمنع الاجتياح الاسرائيلي للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية.

في ظل هذا الفهم السياسي الاسرائيلي جاء تحرك رئيس الوزارة اريل شارون صوب وزير الخارجية الامريكي كولن باول وطالبه بالاتصال بسكرتير عام الامم المتحدة كوفي عنان لارجاء تنفيذ قرار مجلس الامن بتأخير ارسال لجنة تقصي الحقائق الى اجل غير مسمى بعد ان عبر للوزير الامريكي عن قلقه من هذه اللجنة الخاصة بتقصي الحقائق، على الرغم من نصيحة كولن باول بان من مصلحة اسرائيل القبول بهذه اللجنة لتقصي الحقائق لتبديد الاشاعة حول المجازر البشرية في مخيم جنين، مؤكدا لرئيس الوزارة الاسرائيلية اريل شارون عدم وجود دليل قاطع على وقوع المجازر البشرية أو المقابر الجماعية في مخيم جنين، فرد عليه بأنه ادرى بمصلحة بلاده التي تحتم عليه منع هذه اللجنة لتقصي الحقائق من القيام باعمالها لأن القلق لا يتعلق بالأدلة على المجازر البشرية والمقابر الجماعية، فلدى الحكومة الاسرائيلية من الوثائق التي تدحض الاشاعة، ولكن من المؤكد بان لجنة تقصي الحقائق ستتوصل الى استخدام اسرائيل القوة المفرطة عند اجتياحها للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، ومنعت تقديم المساعدات الانسانية للمواطنين الفلسطينيين بمنع الماء والغذاء والدواء عنهم، ومن بينهم الاطفال والنساء والمسنون والجرحى.

هذا الاعتراف الصريح بمنع العون الانساني عن المحتاجين له من قبل رئيس الوزارة الاسرائيلية اريل شارون، يدينه مع حكومته الوطنية الائتلافية بجريمة الحرب، ونطلب من لجنة تقصي الحقائق تسجيله عليه لتضمنه تقريرها الى الامم المتحدة سواء قامت أو لم تقم بمهمتها في تقصي الحقائق داخل اسرائيل والاراضي الفلسطينية التي تحتلها أو استعادت احتلالها ولا شك ان الاخذ بهذا الاعتراف يتناغم مع المبادئ القانونية التي تقرر بوضوح بأن «الاعتراف سيد الأدلة» وهذا ما جعل نائبة وزير الدفاع الاسرائيلية داليا اسحاق رابين تعلن بأن كل شيء في اسرائيل اصبح معلقا في الوقت الحاضر بعد ان ثبت لنا بان الامم المتحدة نصبت لنا فخا وتواصل محاولاتها الى استدراجنا اليه مما يدعونا الى الوقوف بصرامة ضد لجنة تقصي الحقائق ومنع عملها نهائيا في داخل بلادنا، لأن الدراسات التي قمنا بها اكدت لنا ان مهمتها في تقصي الحقائق تهدف الى خداعنا لتوريطنا في جرائم الحرب التي تفرض علينا المثول امام محكمة الجرائم التابعة لمحكمة العدل الدولية في لاهاي.

اصبح من الواضح ان اسرائيل ترمي من المماطلة بتأجيل اعمال لجنة تقصي الحقائق الوصول الى الغائها واتخذت سبيلاً الى ذلك بالانسحاب «التكتيكي» من رام الله وفك الحصار عن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ولكنها في اليوم الثاني شنت هجوما على مدينة الخليل لتعلن بان انسحابها من رام الله لم يوقف حرب الاجتياح التي بدأتها على المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية لانها لم تصل بعد الى الاهداف من هذه الحرب.

وضح هذه الاهداف المؤرخ الاسرائيلي البارز مارتن فان كريفيلد في مقاله بصحيفة صنداي تليجراف اللندنية الاسبوعية الذي جاء فيه ان اريل شارن يريد اخراج كل الفلسطينيين من الضفة وقطاع غزة عندما تحين الفرصة لتنفيذ ذلك اما بافتعال ازمة مع جيرانه العرب واما بوقوع عملية فلسطينية كبيرة في داخل اسرائيل تقتل المئات من المواطنين الاسرائيليين.