الخطوة التالية

TT

اهم ما في اتفاق فك الحصار عن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وعودته الى حرية الحركة، هو عودة الدور الاميركي في التعامل مع ازمة الشرق الاوسط عن طريق ممارسة ضغوط حقيقية على اسرائيل، وتقديم مقترحات عملية يستطيع الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي تقبلها، كما ان الاتفاق فتح الباب، ولو بخجل، امام تدويل الازمة عن طريق المراقبين الاميركيين والبريطانيين، وهو ما تطالب به السلطة الفلسطينية منذ فترة حتى لا تستفرد بها الالة الحربية الاسرائيلية، ويكون هناك شاهد دولي على الارض.

وهي خطوة اولى على طريق طويل يجب السير فيه اذا ما اريد الوصول الى حل للازمة الحالية التي شهدت تصعيدا غير مسبوق في درجة العنف، يجب ان تترافق فيه الجهود الخاصة بتهدئة الحالة الامنية مع جهد سياسي واقتصادي وذلك من اجل فتح باب الامل امام الفلسطينيين في تسوية نهائية، واعادة بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية التي دمرت في الحملة الاسرائيلية الاخيرة، ورفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني الذي شهد ظروفا معيشية مأساوية في الاشهر الاخيرة.

وقد جاء التحرك الاميركي الاخير الذي يثبت ان تدخل واشنطن بفعالية يمكن ان يؤدي الى نتائج على الارض، بعد مباحثات سعودية ـ اميركية في هيوستن كان واضحا انها ليست سهلة، ولوحظ انه صاحبها تنسيق دبلوماسي عربي تمثل في اتصالات ومشاورات عربية سبقتها ولغة واحدة تتحدث بها اكثر من عاصمة عربية، بما جعل الادارة الاميركية تشعر ان هناك حالة احباط متصاعدة في المنطقة من سياستها بتجاهل الازمة او التعامل معها بقفازات من بعيد.

وقد لوحظ ايضا ان الرئيس الاميركي بوش طرح اكثر من مرة ان هناك مسؤولية ايضا على الاطراف العربية في حل الازمة، وهو ما لا تنكره الاطراف المعنية، لكن هذه المسؤولية يجب ان تكون مشتركة، فهناك مسؤولية الدور الاميركي باعتبار الولايات المتحدة راعية اتفاقيات السلام، وكذلك بحكم نفوذها الطاغي على اسرائيل، كما ان هناك مسؤولية على اسرائيل نفسها في ان تتوقف عن التفكير بلغة القوة، وادراك انه لا يوجد علاج امني للازمة، وان الطريق الوحيد هو ان يحصل الفلسطينيون على حقوقهم، وان عهد الاستعمار قد ولى ولا يوجد شعب يمكن ان يقبله.

وقد لعب اللاعبون العرب الرئيسيون دائما دورا ايجابيا في دفع جهود السلام عندما كان هناك مسار سلام، وهم بالتأكيد مستعدون للعودة الى لعب هذا الدور ولكن ليس تحت قصف المدافع وانباء المذابح والاعتقالات واحتلال المدن وهدم السلطة الفلسطينية بغرض اشاعة الفوضى.

وبدون شك فان اتفاق فك الحصار عن عرفات اشاع بوادر امل في ان هناك مخرجا، لكن هذا الامل سيتلاشى اذا لم تكن هناك حركة سريعة للبناء عليه ويشترك فيها جميع الاطراف المعنية اميركية واوروبية وعربية بغرض دفع الامور الى الامام، ويجب ألا تكون هناك اوهام، فالطريق سيكون صعبا خاصة ان الثقة اصبحت معدومة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي اللذين سيتعين عليهما ان يجلسا في النهاية للتفاوض.

ولان الظروف تغيرت بفعل ما حدث في الاشهر الاخيرة، فان هناك حاجة الى طرف ثالث دولي يكون موجودا على الارض، والصيغة الانسب هي قوة دولية مسلحة، وذلك من اجل منع حدوث اي توغلات اسرائيلية في المستقبل، وفي الوقت ذاته مساعدة السلطة الفلسطينية على استعادة سيطرتها في حفظ الامن.