نشرة الأخبار

TT

عندما فكر القيمون على تلفزيون MBC بنقل جزء من المقر اللندني الى العالم العربي، خطر لهم اول ما خطر بيروت. فهذه المدينة موقع مثالي من حيث المبدأ، احدى اعتق مولدات العاملين في الاعلام العربي. او هي بالاحرى اكثرها قدما. وهي ثاني من اطلع الصورة الى الاثير، بعد العراق. وهي، هي هذه البيروت، ثاني استديو بعد القاهرة من حيث الخبرات الفنية والوجوه. فهل يمكنك بعد ذلك ان تفكر في مكان آخر؟

جاء الى بيروت موفدون (قبل حكومة رفيق الحريري الحالية) فقال لهم احد المسؤولين:«الاخبار، كيف تضبط نشرة الاخبار. نرجوكم، فتشوا عن بلد آخر». وقيل له، يامعلم، هذه MBC، محطة راقية مؤدبة، يقوم عليها رجال ذوو خلق ونسب، فقال معاليه رافعا يديه في الهواء استسلاما لغلبة الامور وواقع الحال: «ارجوكم، اعفونا». وفي هذا الوقت تقرب نافذ آخر من موفدي المحطة وقال لهم: «ولو؟ خذوها من هذه الذقن. لكن، لنا شرط صغير وانا ادبرها»! وسئل فاعل الخير ما هو الشرط الصغير، فقال «ان يكون مركز الشركة في قضاء عكار، وهذا القضاء الجميل يبعد عن بيروت نحو 20 الف فرسخ، على لغة «جول فيرن»، ولكن فوق سطح البحر وليس تحته.

لماذا ليس دبي؟ كتب المسؤولون في الشركة الى دبي يعرضون ان ينقلوا مقرهم كله اليها. وقالوا في رسالتهم «نرجو ان تطلعونا على شروطكم». وجاء الرد فوريا، «لا شروط لدينا. نرجو التكرم باطلاعنا على شروطكم». والليلة الماضية كانت MBC تفتح مقرها في دبي، لا في عكار. والى جانبها مبنى يحمل بالاضواء اسم CNN، وآخر «لرويتر»، وقبالته مبنى ذو قباب مقدسية هو مبنى الجامعة العربية التي صدحت فيه فيروز، بعد افتتاح MBC، تشق القلوب والاثير، مغنية لزهرة المدائن. كانت الاضواء البنفسجية تنعكس على رؤوس النخيل، والارض يمرحها العشب الاخضر، واضواء دبي موزعة في انسجام، ولا زمامير ولا مازوت مزور. وعلى المسرح الجميل قدم الحفل اثنان من صحافيي واعلاميي لبنان، المذيعة القديرة نيكول تنوري ونجم التلفزيون العربي اليوم، جورج قرداحي، صاحب اشهر واذكى مليون بين الملايين. واخذتني افكاري الى بيروت: مَنْْ حرمنا من ان يكون هذا الاحتفال وهذا المقر في مدينة فيروز؟ من اقترح على MBC الاقامة والعمل في قضاء عكار الذي لم تكتمل طرقاته بعد؟ ومن هو ذلك المسؤول العبقري الذي خاف على لبنان من نشرة الاخبار؟

لكن كان لي تعزية كبرى. وهي ان دبي تستحق. انها مثل الصبي الشاطر الذي لا يحصد جوائز صفه فقط بل جوائز المدرسة كلها. وهي لا تقبل اذا اتخذت عملا الا ان تتقنه كأفضل ما يكون الاتقان. وهي درس في فن المستقبل وعلم المستقبل وبلاغة الحاضر. ولا تخاف من نشرة اخبار. وهي اقامت للاعلام مدينة بذاتها تشبه، ماذا تشبه؟ تشبه يا سيدي ضاحية من جنيف، ناقصة درجات الحرارة الباردة. آه، عكار، طبعا عكار جزء من بلدي. جزء جميل منه. وعندما اراها من منزل النائب جان عبيد في اعالي الشمال، اتمنى لو ان لي فيها بستانا او خمائل. لكن لايخطر لي اطلاقا ان اعرضها مقرا لـMBC ، لانها لا تزال اكثر مناطق لبنان حرمانا ـ بشهادة اهلها ـ واما نشرة الاخبار، فهل هناك في هذا العصر من يفكر بعد في نشرة الاخبار؟ في عصر الصحون غير الطائرة والدشش (جمع دش، تجاوزا عن معناها التركي في طاولة الزهر) هل يبقى خبر لا يذاع وسر لا يشاع وامر مخفي؟

ما بين دبي وبيروت، «قضي الامر الذي فيه تستفتيان» (الآية) وانا سعيد لدبي وابحث عن المسؤول الذي حرمنا من مقر MBC بداعي الارتعاب من نشرة الاخبار. ابحث عنه لأسر في اذنيه كلمتين. كلمتان «نظاف» كما يقول صديقي ابو العبد.