التحرك العربي المأمول في أميركا

TT

في كل دولة عربية هنالك شخصيات بعضهم له حضور فكري، وآخر حضور مالي، وتربطهم لأكثر من سبب وظرف علاقة طيبة بالادارة الأميركية، ناشئة عن مصالح تجارية او اقتصادية، او نتيجة اعجاب بالتجربة الأميركية نشأ ايام دراستهم في جامعاتها وتطور بعد زواج بعضهم من اميركيات وبات الابناء والبنات من آباء عرب وأمهات أميركيات. ولقد خطا بعض هذه الشخصيات خطوات ملموسة على صعيد زرع شجرة الحضور العربي في العقل الأميركي من خلال التبرع للجامعات وتعزيز العلاقات على المستوى الشخصي مع بعض رموز الحياة السياسية والجامعية والطبية والمصرفية.

وتشاء الصدف ان تكون العلاقة الطيبة لعدد من الشخصيات العربية مع الادارة الأميركية الحالية بالذات وثيقة، الى درجة ان الاهتمام من جانب بعض اركان هذه الادارة بتلك الشخصيات يبدو واضحاً من خلال نوعية الاستقبال لهم بصرف النظر عما اذا كانوا في مواقع المسؤولية او خارجها. وهذه الشخصيات الموجود منها الكثير في الدول العربية من لبنان الى المغرب مروراً بمصر ودول الخليج، مُطالبة في هذه المرحلة التي تواجه فيها العلاقة العربية ـ الأميركية ازمة بالغة الحدة، بأن تتحرك في اكثر من اتجاه وبحجم الحضور الذي لكل شخصية في الاوساط الأميركية وبالذات في اوساط الادارة الحالية والكونغرس والمؤسسات الصناعية والجامعات، لتوضيح بعض الامور التي من شأن عدم توضيحها جعل التأزم الراهن في العلاقة العربية ـ الأميركية يصل الى درجة العداء، خصوصاً ان مشاعر الغضب على السياسة الأميركية وعلى البضائع والصناعات الأميركية تتأصل يوماً بعد آخر نتيجة ان النهج الذي تسلكه الادارة الأميركية بات في نظر الرأي العام العربي معادياً. وعند الاستقصاء والاستعلام في اوساط وكلاء الشركات والصناعات الأميركية، بدءاً من صناعة الغذاء والطعام وصولاً الى التقنيات والسيارات، تتضح بعض المؤشرات التي تؤكد ان المقاطعة للبضائع الأميركية بدأت تستقر في العقل العربي بحيث لم تعد «الدونات» و«الهمبرغر» وغيرها تلك الاكلات التي لا تستغني المعدة العربية النشيطة عنها تتقدم عليها الكفتة والشاورما والبسبوسة والطعمية وخلافها. وكخطوة اولية بهدف كسب الوقت وتُغني عن التحرك الميداني بمعنى الذهاب الى واشنطن وبقية المدن الأميركية، يمكن لكل مسؤول عربي تربطه علاقة ما بأميركا ان يسجل موقفاً واضحاً من السياسة الأميركية الحالية ومن دون ان يتوقف امام انه في موقع المسؤولية في بلده، ذلك ان المشاركة في الحكم في اي بلد عربي يجب ألا تحول دون تسجيل الموقف الشخصي. كما يمكن لكل صاحب مصلحة مالية او تجارية مع الولايات المتحدة ان يفعل الشيء نفسه في صيغة تصريح او بيان، خصوصاً ان التجار العرب المتاجرين مع اميركا قد يجدون تجارتهم بارت في حال اخذت المقاطعة منحى عملياً وترجم المستهلك العربي ترجمة وطنية ووجدانية مشاعر غضبه وكرر تبعاً لذلك استعمال السلاح الذي لا قدرة لأحد على منعه من استعماله، وهو مقاطعة كل ما هو اميركي. وما اكثر الاسباب، الصحية والذوقية في الدرجة الاولى، التي توجب الاستغناء عن البضائع والمنتجات الأميركية. كما يجب ان ينبري خريجو الجامعات الأميركية وما اكثرهم في الدول العربية، وكذلك ما اكثر المناصب المرموقة التي يشغلونها في الحياة العامة فضلاً عن حضور مرموق هو الآخر في ميادين الطب والهندسة والعلوم على انواعها.. إلى إعداد البيانات الواحد تلو الآخر يسجلون فيها وبكثير من الوضوح والمنطق الرأي والتحذير والنصيحة، خصوصاً انهم شهود على ما آلت اليه نظرة الرأي العام العربي الى السياسة الأميركية.

ونحن عندما نطالب بذلك نستغرب كيف ان علاقة الشخصيات العربية، وبالذات الفاعل من هذه الشخصيات في الحياة العامة، لم تصل الى حد تأمين استقطاب اعضاء في الكونغرس الأميركي يتقدمون بمشروع قانون يطالب الادارة الجمهورية بفرض عقوبات على اسرائيل بسبب عدوانها على الشعب الفلسطيني، او اذا بدا ذلك صعباً فلتكن العقوبات لأن اسرائيل تفرض حصاراً على السلطة الوطنية الفلسطينية الذي من اجل تعزيز شأنها كان مؤتمر مدريد للسلام الذي ابتكره الرئيس الاسبق جورج بوش الاب، والذي من اجل تأهيلها لتكون الدولة الفلسطينية المتفاهم على قيامها كانت الاجتماعات والاتفاقات التي ابرمتها ادارة الرئيس السابق بيل كلنتون معها، وابرمتها معها ايضاً حكومات اوروبية من بينها الحكومة البريطانية التي تتفرج على المحنة الفلسطينية ومن دون ان يرف لها جفن.

والاهم من هذا كله هو ان يسارع المقتدرون من عرب اميركا الى اعارة المسألة الاعلامية الاهتمام. ومن شأن محطة تلفزيونية في الولايات المتحدة تخاطب الرأي العام الأميركي بكل الود والمنطق والحرص على المصالح وايضاً من خلال المساهمة الفاعلة في صناعة السينما تنتج الافلام والمسلسلات التي تعطي فكرة جيدة عن العرب والتعايش والتسامح... ان من شأن هذه المحطة ان تفيد وتعزز مصالحهم الاقتصادية والتجارية والمصرفية وتحمي هذه المصالح من الافتراءات والتهجمات الصهيونية.

ويبقى السؤال لكل هذه الشخصيات العربية ومن دون استثناء: اذا كنا لن نوظف الآن هذه العلاقات وهذا الحضور لهم، ولو من باب اختبار القدرات، فمتى اذن هي موجبات التوظيف؟ هل هي عندما ستدق اسرائيل ابواب كل بلد عربي من النيل الى الفرات الى جبال الاطلس مطمئنة الى ان الادارة الأميركية معها وأن الملايين من الرأي العام الأميركي مغسولة ادمغتهم ولا فائدة ترجى منهم، وأن الجاليات العربية فضلاً عن الوف الشخصيات العربية التي لها حضور مالي او سياسي او تجاري او فكري او علمي في اميركا لا يتحركون مستنكرين بدافع الغضب والنصيحة في الوقت نفسه.

الأمة في انتظار الجواب عن هذا السؤال الحق، وبالذات في ضوء تقييم ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز لزيارته ومحادثاته للمرة الاولى مع الادارة الأميركية في عقر دارها والتي كان شعارها: يا ايها الاصدقاء الأميركان إما انتم مع العلاقة المتوازنة ونحن طلابها وإما انتم مع اسرائيل المعتدية على نحو الحال الراهنة.

ومن المؤكد انه لو تمت زيارة الأمير ومن قبله زيارة ملك المغرب محمد السادس والرئيس حسني مبارك والملك عبد الله الثاني والرئيس علي عبد الله صالح. وكان هناك ذلك الحضور الفاعل لعرب اميركا الذي اوردنا في الاسطر السابقة طبيعته وما يمكن ان يفعله، لكان هؤلاء الزوار من أصحاب القرار العربي وجدوا ان لهم في الولايات المتحدة ذلك «اللوبي» العربي الذي يمكن من خلال تطويره الاعتماد عليه على نحو اعتماد اسرائيل على«اللوبي» اليهودي - الصهيوني المتأصل داخل اميركا، أو على الاقل يكون له دور المتابعة والتذكير والتأثير. وبذلك فإن المهمة التي يقوم بها أهل القرار العربي لا تكون وحيدة وليس لها من يساندها بشكل غير رسمي من خلال الاتصالات ومن خلال المتابعة ومن خلال رصد وسائل الإعلام الأميركية من صحف ومجلات واذاعات ومحطات تلفزيون وفضائيات والرد على كل شاردة وواردة مسيئة الى العرب في هذه الوسائل، اي بكلام اكثر وضوحاً ان وجود «ايباك» عربي، وهو «اللوبي» المأمول بتسمية مختلفة، لا يحدث بقرارات رسمية وإنما بمبادرات. ومن المؤكد أن اهل القرار في الدول العربية، عندما يرون ان هناك جدية في عمل هذا «اللوبي» وفي فعالية نشاطاته، فإنهم سيساندون بكل ما هو متيسر من الدعم المالي والسياسي. لقد اخذ الصراع العربي ـ الاسرائيلي منحى جديداً. وعلى هذا الاساس نقول: «يا عرب اميركا هذا زمنكم».