أخبار سارة من فرنسا

TT

بعد مرور اسبوعين على الدراما السياسية، اكدت فرنسا مجددا تمسكها القوي بمؤسساتها الديمقراطية وذلك برفضها لمرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبن. فقد تلقى لوبن هزيمة ساحقة في الجولة الاخيرة من انتخابات الرئاسة الاخيرة التي شهدت اقبالا واسعا. اعادة انتخاب جاك شيراك منحت فرنسا لحظة لاجراء تأمل ذاتي ومحاولة التوصل الى السبب في تصويت حوالي ستة ملايين ناخب في واحد من اكثر مجتمعات العالم ثراء واكثرها سلما لمصلحة مغامر متطرف. وصف كل من صوت للوبن بالعنصرية امر يفتقر الى الدقة ويثير القلق في نفس الوقت، اذ ان عدم الدقة في هذا السياق يعود الى عدم وجود دليل على ذلك، اما الجانب المثير للقلق في هذا الامر، فمرده هو ان صحة هذا الزعم تعني وجود رصيد ضخم من الكراهية من وراء موقف فرنسا الظاهري الذي يتسم بالتسامح. ظاهرة الميل الى طروحات اليمين المتطرف في فرنسا جاءت نتيجة استغلال جبهة لوبن للاستياء الاجتماعي والاقتصادي على مدى عقدين من الزمن تقريبا، كما غذى هذه التوجهات اليمينية الخوف من المستقبل والحنين الى الماضي وظهور انماط حياة جديدة باتت تهدد المعتقدات والعادات القديمة. كل هذه المشاكل في حاجة الى علاج اذا كان لا بد من هزيمة اليمين المتطرف في الساحة السياسية تماما كما تعرض لهزيمة ساحقة في صناديق الاقتراع. رغم انه كان سببا في شعور اصدقاء فرنسا بالارتياح، فإن فوز شيراك يعتبر خطوة اولى فقط في اتجاه اعادة الثقة في النظام الفرنسي. صوت ما يزيد على 40 في المائة من الناخبين في الجولة الاولى للانتخابات لمرشحين من اليسار المتطرف او اليمين المتطرف تشير برامجهم الى الرغبة في تدمير النظام الراسخ. لذا فإن اعادة هؤلاء الناخبين الى الوسط تعتبر مهمة ضخمة لا يستطيع شيراك تحملها بمفرده. وبانتهاء الانتخابات الرئاسية، تدخل فرنسا الآن مرحلة الانتخابات البرلمانية المقرر اجراؤها في يونيو (حزيران) المقبل. من المهم ان تسفر الانتخابات المقبلة عن برلمان قادر على الدفاع عن المؤسسات الى جانب ادخال اصلاحات اساسية. وفي نفس الوقت، ستظل سياسة فرنسا الخارجية معطلة بصورة مؤقتة، اذ يجب ان تستغل هذه المدة كفترة تأمل لما كان في واقع الامر غيابا للسياسة الخارجية على مدى خمس سنوات تقريبا. ففرنسا لم تستطع تبني موقف واضح تجاه الكثير من القضايا بفعل تقاسم السلطة بين رئيس محافظ ورئيس حكومة اشتراكي. الانتخابات التشريعية المقبلة يجب ان تضع نهاية لهذا الوضع وذلك باعطاء الرئيس الذي اعيد انتخابه اغلبية برلمانية تمكنه من مباشرة التفويض الممنوح له.