صحن حلوى في فندق

TT

تقدم الفنادق لروادها صحنا من الفواكه كبادرة ترحيب بالضيوف. ومن عادتي الا المس هذه الفواكه مهما طالت اقامتي في الفندق الواحد، لانها، في التجربة، من النوع الذي يحلو مظهره ويقل جوهره. وعندما نزلت في احد فنادق دبي، رأيت على طاولة الغرفة سلة من الفاكهة والثمار الاستوائية وصحنا من الحلوى. وطاب لي التفاح الاستوائي الذي تذوقته اول مرة في لندن. كما طاب لي هجين من السفرجل والاجاص طوره اليابانيون. وتركت صحن الحلوى سالما. لمن يستطيع.

تعلمت من السكن الكثير في الفنادق ان اتعود على اختفاء جورب او قميص او ربطة عنق. ويسمي جون سمبسون كبير مراسلي BBC هذه «العادة»، «جورب من هنا وجورب من هناك». وعدت مرة من احد فنادق ابوظبي وقد فقدت قميصا حريريا لم ارتده مرة واحدة. وكالعادة افرغت زوجتي الحقيبة لانها هي التي ترتبها دائما، وبحثت عن القميص الذي اهدتني اياه فلم تجده. وعاتبتني. ثم انبتني. ثم شكتني الى ولديها: «ابوكما لا يهتم بشيء. كل مرة يعود تاركا خلفه نصف ثيابه. كل ربطات عنقه تسرق او تبقع بالسباغتي وصلصة الحبق. كل قمصانه تسرق او تبقع بالحساء». ثم تطلعت فيهما تطلب النجدة: «قولا شيئا ما، لماذا تضحكان له؟ ماذا يضحك في الموضوع».

طبعا، انا المضحك في الموضوع. أب ضائع بين الحساء والصلصة. اين وقار الكتاب والشعر (بقاياه) المشتعل شيبا؟ غير ان الامر ليس بيدي. انه في يد العمال الآسيويين. ولو ان زوجتي سافرت مرة الى بلدان القارة لادركت ان هؤلاء المساكين في حاجة اكثر مني بكثير الى قميص او جورب. اما انا فقد استسلمت للامر، واصبحت اكتفي بالتمني: ارجوكم، ليس القميص المفضل. ولا الربطة التي لم اضعها بعد.

بقي صحن الحلوى على طاولتي في الفندق نحو ثلاثة ايام، لا ينقص ولا يزيد. وذات مساء عدت الى الغرفة فوجدت الحلوى مأكولة وبقاياها الباقية مبعثرة. واتجهت فورا الى الخزانة اتفقد الربطات والقميص وجوارب المستر سمبسون ووجدتها في مكانها. وتفقدت حقيبة اليد فوجدتها لم تلمس. وعدت الى الصحن اتأمله مثل المفتش «كلوزو»، فازدادت قناعتي بان يدا امتدت اليه. وشعرت بالمهانة. وبان احدهم انتهك حرمة غرفتي واستغل غيابي. وقررت ان اتصل بالادارة لكي اتقدم بالشكوى.

جلست على الكرسي حانقا. وطلبت عاملة الهاتف. وقلت لها في صوت غاضب، اعطني المدير. وسألت اي مدير منهم، فقلت في غضب اكبر، اي مدير كان، المدير العام، مدير الحلوى، مدير الصحون. المدير. اعطني المدير. وغابت قليلا ثم عادت تقول انها لا تجده، وانه سيتصل بي فور عودته الى مكتبه. وبعد دقيقتين او اقل، اتصل الرجل بي، سائلا «بماذا استطيع ان اخدمك»؟ واجبت، لا شيء، كنت انوي ان اسألك عن السعر في حال الاقامة الطويلة. سوف احدثك في وقت لاحق.

لقد شعرت بالندم الشديد بعد ان طلبت المدير . فاين الاهانة في الامر؟ عامل آسيوي يتطلع كل يوم الى صحن الحلوى هذا ويرى ان صاحبه يتعالى عليه. لا يقربه. ولا يمسه. وهو لم يذق مثل هذه الحلوى منذ عام. او عامين. وربما لم يذقها ابدا. ولا يعرفها سوى بالشكل. واخيرا انهار. فقد اعصابه الواهنة امام الصحن المرشوش بالسكر كأنه لوحة جذابة. وامام الرقاق المصنوع على شكل زهرة برية. قاوم ثم انهار. ومد يدا خائفة يتذوق. لكن لعابه كان قد تراخى. فأكمل الصحن بسرعة كأنه يخلع مخزنا للحلوى على عجل.

ما هي الكارثة في الامر؟ اين هي الاهانة؟ اي خصوصية اقتحم هذا المسكين الذي يأتي للعمل من اجل الخبز ولا يجرؤ على ان يحلم معه بالحلوى ايضا؟ وفي اليوم التالي وجدت الصحن على الطاولة كاملا لم يمس. وفيه كل القطع التي لن امد يدي اليها. وتمنيت ان يأتي هذا الرجل في غيابي وينتهك حرمة الغرفة ويبعثر بقايا الرقاق ويأخذ معه جوربا او اكثر. وحتى قميصا غير مهدى من زوجتي.