حكايات أهل السياسة

TT

عندما انهزمت فرنسا امام المانيا في الحرب السبعينية عام 1870 واضطرت للتنازل عن الالزاس واللورين لالمانيا، كان جورج كلمنصو من النواب القلائل الذين اصروا على رفض المعاهدة. وعقد العزم على الا يستقر به قرار حتى تستعيد بلاده هاتين الولايتين. وقدر له ان يعيش ويحارب ويناضل حتى تمكن بالفعل من استعادتهما بعد الحرب العالمية الاولى 1918. وكانت شخصيته القتالية الضارية سببا لاضفاء لقب «النمر» عليه.

ولا شك انه استمتع بهذا اللقب وراح يعتز به، كما يتضح من جوابه على سيدة سألته عن سر اصراره على لبس القفاز. كان كلمنصو رئيسا لرابطة الطلاب الباريسيين في كلية نانت. وعندما انتهت مدة رئاسته، اقاموا حفلة فاخرة لتوديعه وتكريم الرئيس الجديد مويزي ايون.

وقد روى هذا فيما بعد ان احدى المدعوات كانت تجلس امام رجل الدولة الكبير الذي كان يعاني من الاكزيما في كلتا يديه، مما اضطره الى لبس القفازات لاخفائهما في الحفلات العامة. ولاحظت السيدة ذلك من دون ان تعرف السبب فسألته عن سر احتفاظه بالقفازين على يديه اثناء تناول الطعام، فقال لها «لكي اخفي مخالب النمر يا سيدتي».

لم يكن كلمنصو نمرا في الحرب والسياسة فقط، بل ايضا في تعامله مع الناس. فعندما كان وزيرا للداخلية، زاره مرة احد حكام المقاطعات، وكان مشهورا بحمقه وايضا بانهماكه في قبول الرشوات. وراح يعرض شكواه من هذه الاتهامات حتى توقف ليسأل السيد الوزير: «هل انا حقا احمق كما يقولون؟» لم يجبه كلمنصو على ذلك. فأضاف: «وهل انا بالمرتشي الخسيس». وعندها لم يستطع الوزير غير ان يتمتم قائلا: «الجمع بين الوظائف ليس بالامر المستحيل!».

وهل اجدر بي ان اختتم حديثي عن نمر فرنسا بالحكاية التي رواها ستيفن بونسال في كتابه عن معاهدة فرساي، «عمل لم يتم». وصف في هذه الحكاية كيف عمد رجل متهور باسم كوتان الى اغتيال كلمنصو في محاولة فاشلة اودت به الى قفص الاتهام. وبالطبع سأل القاضي كلمنصو عما يقترح من عقاب. فأجاب قائلا «ان كوتان يستحق بكل تأكيد العقاب على فعلته». ثم اضاف وقال: «يجب ان نعطي وزنا لسوء رمايته. لقد انتصرنا في اروع حرب في التاريخ ولما نكد. ومع ذلك فها هو ذا رجل فرنسي يخطئ الهدف ست مرات او سبع مرات على قصر المسافة بيني وبينه. بالطبع يجب ان يعاقب، لانه اساء استعمال سلاح خطر ولم يحسن الرماية. وعليه فأقترح على المحكمة معاقبته بحبسه لمدة ثمان سنوات».

وقد علق على ذلك المؤلف ستيفن بونسال قائلا: «ان امة تنجب رجلا له مثل هذه البديهة وهذه السخرية والسماحة الانسانية، لهي امة جديرة بمستقبلها حقا».