معنى الديمقراطية في جنوب آسيا

TT

لو كانت هناك حكومة افرزت مستبدين قاموا بتمويل الإرهاب، وسلبوا ملايين الدولارات، وأغرقوا، في الوقت نفسه، مواطنيهم في الفقر، ومزقوا التعليم العام والرعاية الصحية، وسمحوا باستغلال الأطفال، وعذبوا معارضيهم، وأغمضوا أعينهم عن برامج تستهدف الأقليات، فإننا جميعا، سوف ننتقدها حينئذ. لكن الامر يستثني ما هو قائم في جنوب اسيا، فنظام كهذا يسمى ديمقراطيا. وهذا ما يجعل الانتخابات التي أجريت مؤخرا في باكستان مثيرة للعجب. فها هو الرئيس بوش يغمض عينيه عن إحكام الجنرال مشرف قبضته على نظام ديموقراطي، من أجل ابقاء السلطة بيد الجيش. ويعتبر موقف بوش هذا رياء، يهدد بالحاق الضرر بكل ما ندافع عنه ـ باستثناء، وهذه حقيقة، مسألة إن مشرف أحسن إدارة شؤون باكستان بأسلوب أفضل من الحكومات الديمقراطية التي سبقته.

لقد تجاوزت اهمية الانتخابات الباكستانية حدود البلد نفسه، فالاستفتاء الذي جرى، والمشكوك في نزاهته ـ إضافة إلى موقفنا منه ـ يثير أسئلة حول ما يشرع هذه الديمقراطية.

ومن دون الاحساس العميق بحقائق الأمور في الدول النامية، نميل، في الغرب، إلى اعتبار «الديمقراطية» مساوية ببساطة للانتخابات، فعندما تندلع المشاكل ـ في كمبوديا والصومال وتيمور الشرقية وأفغانستان وأنغولا ـ نوصي باجراء انتخابات، ونبارك نتائجها باعتبارها ديمقراطية، ثم نمضي وشأننا. وكما قال سوميت غانغولي، الخبير في شؤون المنطقة بجامعة تكساس في أوستينل: «اننا نفرط في التأكيد على موضوع الانتخابات»، التي تمثل عنصرا من عناصر الديمقراطية، من بين عناصر أخرى، مثل حرية الصحافة والقضاء المستقل واحترام الأقليات.

وبدون هذه العناصر، يمكن لدول ما ان تجري انتخابات تستخدم (كما في باكستان) من قبل أباطرة المخدرات، كوسيلة مريحة لتنصيب رفاقهم في مواقع مهمة. وما أن يستولوا على السلطة، حتى يصبح بامكانهم استغلالها لنهب المال وقتل المعارضين.

يقول عارف علي خان عباسي، الرئيس التنفيذي السابق لشركة طيران «باكستان إيرويز»: «عندما انتهجنا مسارا ديمقراطيا اصبنا بخيبة أمل، ولكن بوجود حاكم مستبد، يتوفر لنا نوع من النظام على الأقل».

ويبدو ان هذا هو شعور واشنطن أيضا: فباكستان شبه الديمقراطية، كانت قد اقتربت من كونها دولة إرهابية. حينها، عام 1999، استولى مشرف على السلطة، ونصب نفسه رئيسا خلال عام 2001. غير انه بدأ، بعد الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) وتعرضه لتهديدات أميركية يبعد بلاده عن الإرهاب والتطرف، وهي مهمة شاقة بالفعل: حيث أشارت نتائج استطلاع للرأي، اجري خلال الخريف الماضي، إلى أن 82% من سكان المدن الباكستانية يعتبرون أسامة بن لادن مناضلا من أجل الحرية، وان جهاز المخابرات الباكستاني مسؤول عن عمليات قتل إرهابية تفوق ما ارتكبه تنظيم القاعدة. كما وصلت البلاد الى حافة الإفلاس، وبلغت الامية بين البالغين فيها 55%، واصبح 10 في المائة من الأطفال يموتون قبل بلوغهم سن الخامسة، اما مدمني المخدرات فقد بات عددهم يفوق تعداد خريجي الكليات.

قال مارشال باوتون، الخبير في شؤون المنطقة ورئيس مجلس شيكاغو للعلاقات الخارجية: «قبل الحادي عشر من سبتمبر، كنا جميعا نعتبر باكستان دولة ميئوسا منها، تقع على مسافة خمس أو عشر أو 12سنة من الانهيار بطريقة او بأخرى».

واذا تأملنا واقع الحال في منطقة جنوب اسيا، ككل، وبصورة اشمل، سنشعر بالدهشة من اسلوبها في الحفاظ على الديمقراطية، التي لم تخدم شعوبها كما يجب. وبالفعل، فقد ادت انتخابات سري لانكا الى ظهور طبقة من الديماغوغيين، الذين جعلوا من التمييز ضد الاقلية من التاميل موضع منافسة للحصول على أصوات الناخبين من السنهاليين. وقد حصلوا على ما ارادوا، وغرقت البلاد في حرب أهلية.

ولا تعد اي من هذه الطروحات مخالفة للديمقراطية، على االرغم من أن الحكام العسكريين في المنطقة (بعيدا عن مشرف) كانوا أسوأ منه. وكما يقول نجم سيثي، الكاتب الصحافي الباكستاني الشهير: «أجل، لم تكن التجارب مع الديمقراطية ناجحة، لكن التجارب مع الحكم العسكري المستبد أدت إلى كوارث».

من أجل هذا، يشعر سيثي وعدد آخر ممن تحدثت إليهم، بالخوف من أن يبقي استفتاء مشرف المشكوك، الرئيس الباكستاني في السلطة. لكنني لا أستطيع منع نفسي من التفكير في ان حال باكستان قد يكون أفضل مع مشرف، لو انه استخدم نفوذه، فقط، لبناء مؤسسات ديمقراطية ذات مصداقية، بدءا من الانتخابات البرلمانية خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول).

هناك مؤشر يبعث على التفاؤل، يتمثل في تفعيل مشرف للمجالس المحلية، التي يجب أن يكون ثلث اعضائها من النساء، وهي خطوة مهمة في بلد تعاني فيه المرأة من سوء الاستغلال.

وإذا ما كان لنا أن نغض الطرف عن لغز مشرف، فمن واجبنا، على الأقل، أن نضغط عليه، ليس فقط من أجل تحسين أوضاع الجيش، وانما لتحسين مستوى القضاء المستقل والصحافة والبرلمان وغيرها من دعائم المجتمع الحر.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»