إنذار آخر لأوروبا

TT

قد يستغرق تحري ملابسات اغتيال السياسي الهولندي المتطرف بيم فورتاين عدة ايام وربما اسابيع. الا ان جريمة الاغتيال هذه، وهي الاولى في اوروبا الغربية منذ اغتيال رئيس الوزراء السويدي اولف بالمه عام 1986، أثارت صدمة كبيرة في مختلف الاوساط السياسية الاوروبية.

العنصر الأبرز حتى الآن هو أن التقارير الاولية اشارت الى انه لا تورط لجماعات اسلامية متشددة في الجريمة. فالمتهم الذي لم تفصح السلطات عن اسمه بعد، مواطن هولندي ابيض مسيحي يساري لا علاقة له البتة بالمهاجرين المسلمين الذين درج فورتاين على انتقادهم ومهاجمتهم بأسلوب تحقيري سافر.

في هذه الاثناء، ادان رئيس الحكومة الهولندية ويم كوك جريمة اغتيال فورتاين واقترح إرجاء الانتخابات العامة التي كان مقرراً ان تنظم خلال اقل من اسبوعين، ومتوقعاً ان يحصل فيها الحزب العنصري الذي قاده فورتاين على ما لا يقل عن 20 مقعداً برلمانياً. ومع ان كوك صدق عندما ذكّر العالم بأن الاغتيالات السياسية لم تكن لها مساحة في الحياة الهولندية على مدى ما يزيد على قرن كامل، لوحظ انه لم يشدّد بما فيه الكفاية على ان نمط الخطاب الذي كان يستخدمه فورتاين... ايضاً دخيل على التقاليد السياسية المتحضرة في هولندا. فقد كان فورتاين يستخدم مفردات فجة تنم عن كراهية فظيعة، واصفاً الاسلام بأنه «حضارة متخلفة»، ومعتبراً ان المهاجرين يشكلون «خطراً دائماً» يهدّد بـ«القضاء» على كل منجزات هولندا البارزة في بناء مجتمع منفتح ومتسامح ومتحرر، ما لم «يواجَه هذا الخطر بالحيطة اللازمة» وفقا لادعاءاته. على صعيد آخر، يأتي اغتيال فورتاين كأحدث حلقة في سلسلة أحداث يجب ان تقنع الاوروبيين بأن العنف ليس ظاهرة قاصرة فقط على الولايات المتحدة وما يسمى بـ«الدول النامية». إذ شهدت الاشهر الاربعة السابقة وحدها جملة من احداث العنف المقلقة في عدد من الدول الاوروبية. فقد شهدت مدينة تسوغ السويسرية الهادئة جريمة جماعية مروّعة راح ضحيتها 12 شخصا على يد شخص ساخط اطلق عليهم النار، كما عبر دافع ضرائب عن استيائه باطلاقه النار على مجموعة من الموظفين مما ادى الى مقتل ثمانية من اعضاء المجلس المحلي بضاحية نانتير الباريسية في فرنسا. وقتل طالب سابق في إحدى المدارس الثانوية بألمانيا 16 طالباً ومدرّساً بمدرسته السابقة. ويضاف الى ما سبق الهجمات الارهابية المستمرة في اسبانيا، وعودة جماعة «الالوية الحمراء» الى الظهور في ايطاليا، وتكرار عمليات المتمردين الانفصاليين في جزيرة كورسيكا الفرنسية، مما يزيد الصورة قتامة. ان جريمة اغتيال فورتاين في الواقع «جرس انذار» لاوروبا، ولا سيما في ظل تزايد بريق الخطاب العنصري في عدد من كبريات دولها. وهذا الامر يقضي بتجاوز العلاج بالمسكنات، والانتقال الى تبني خطوات شجاعة وعاجلة، تتعامل بحزم مع ظاهرة الخطاب العنصري الديماغوجي، وما اصبح نمطاً للعنف مرتبطاً بالمظالم السياسية والاجتماعية... حقيقية كانت او متخيلة.