حَان وقت التغيير

TT

لا بد من الاعتراف بأن مرحلة ما قبل اعادة احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية والقرى الفلسطينية، شهدت تجربة هامة من تجارب الفلسطينيين، من حيث انشاء المؤسسات والأجهزة على كافة أنواعها. لكن هذه التجربة لن تكتسب أهميتها كما يجب، اذ لم تجر عملية تقييم ومراجعة بحيث يتم حصر السلبيات والايجابيات، من أجل محاولة القضاء على السلبيات ودفع الايجابيات لتتراكم في عملية البناء والتنمية.

فالمرحلة القادمة تحمل في طياتها مسؤوليات جساماً ومهام معقدة. ولا يمكن مواجهتها والنجاح في انجازها إلا إذا اتعظنا من التجربة الماضية وعملنا على الغاء السلبيات ودفع التجربة الفريدة نحو النجاح عبر مراكمة الايجابيات.

في البداية يجب ان نقول ان هنالك شعوراً فلسطينياً عاماً، بأن تجربة بناء أجهزة الأمن كانت تجربة ذات نتائج لا تصل اطلاقاً الى الهدف المرجو من انشائها. وأكثر من هذا نقول ان هنالك استياء شعبياً من هذه الاجهزة سواء على صعيد فقدان الكفاءة أو القدرة على حماية المواطن وممتلكاته أو حتى تنظيم حركة السير على الطرق. وجاء الغزو الاسرائيلي ليضيف إلى السلبيات التي يشعر بها المواطنون، من مستوى وكفاءة وقدرة أجهزة الأمن.

فقد كانت الانتاجية في زمن الحرب، أضعف بكثير من الانتاجية في زمن السلم على هشاشتها.

الشعب الفلسطيني يريد جهاز أمن يضمن له السلامة والأمن، ومنع الاعتداء والحماية من الجريمة، والعمل على استقرار الحياة اليومية، وبطبيعة الحال ان الشعب الفلسطيني لا يريد أجهزة أمن متسلطة ترهبه وتخيفه ولا تقدم له الحماية.

ان الشعب الفلسطيني يطالب باعادة بناء أجهزة الأمن، وربما توحيدها في جهاز واحد، ليكون في خدمة الشعب وضمان الحماية له ولأمنه وأمن ممتلكاته.

هذا درس أساسي من دروس الهجمة الاسرائيلية العنصرية الارهابية على الشعب الفلسطيني في كل مدنه وقراه ومخيمات اللاجئين التي اقيمت حول المدن بعد عام 1948.

ليس هذا فحسب، بل ان المعركة التي شنتها حكومة شارون على الشعب الفلسطيني الاعزل ابرزت بشكل أوضح بكثير من قبل، ان الشعب هو الاساس وان الاجهزة التي خلقت وكذلك الوزارات والمؤسسات لخدمته (نظريا) لم تفعل قبل الهجمة الهمجية العنصرية الا القليل لخدمة هذا الشعب البطل، وعانى المواطنون ورجال الأعمال والقطاع الخاص، الصناعي والتجاري والزراعي من تجبر بعض المسؤولين.

ولم تحافظ الوزارات على مبدأ التخلص من الاعتماد على اسرائيل اقتصادياً وزراعياً وصناعياً وتجارياً. فلم تلتزم بشراء بعض لوازمها وأجهزتها وآلياتها من الفلسطينيين (تجارا وصناعا)، بل قامت بشراء بعض لوازمها في بعض الحالات من التجار الاسرائيليين. بينما كان من المفروض ان تقوم هذه المؤسسات والوزارات بدفع كل التجار (بمن فيهم القطاع الخاص) الى استيراد أو شراء أي بضاعة أو مواد أو أجهزة متوفرة في السوق عبر رجال الاعمال الفلسطينيين. وبذلك تكون هذه المؤسسات والدوائر قد خالفت القرار الرئاسي حول الأداء العام وخالفته حول شراء مستلزماتها كمؤسسات رسمية.

نحن كفلسطينيين نواجه الآن لحظة حاسمة.. لحظة مصيرية. فشارون يهدد وجودنا، ويسعى للترانسفير أي ترحيل جزء كبير من الشعب الفلسطيني ليتيح المجال لاستيعاب مليون مهاجر من امريكا اللاتينية. ولذلك، اعتقد انه لا بد من الحديث الصريح والواضح حول المستقبل، والا سيتاح لاسرائيل ان تلعب وتتلاعب بمصير الشعب الفلسطيني الصامد في وجه هذه المخططات.

الرئيس ياسر عرفات يمتلك الآن أعلى درجة من الشعبية والاعجاب والحب والتقدير، من قبل الشعب الفلسطيني بأسره، والشعب يرى في ياسر عرفات العملاق الصامد المحافظ على العهد، الصابر، والمصابر، والذي يتحدى الموت بايمانه العميق بالله، وبالنصر و«ان ينصركم الله فلا غالب لكم» (صدق الله العظيم) ويرى فيه رمزا نضاليا، وزعيما لا منازع له. ولكن في الوقت ذاته يتمنى الشعب الفلسطيني ان يخرج ياسر عرفات من هذه الهجمة الهمجية قويا وشامخا كشموخ طائر الفينيق، كشموخ العنقاء التي عادت للحياة من الرماد وارتفع عنقها لترى ـ كعملاق ـ كم هي شرور الحياة تافهة ومدانه.

الشعب الفلسطيني يريد من الرئيس ياسر عرفات:

ان ينهي وللأبد تسلط بعض الأجهزة على الشعب. وان يعيد بناء هذه الاجهزة في خدمته. ويريد من الرمز الصامد، من طائر الفينيق ان يعيد بناء المؤسسات على أسس سليمة من الشفافية والكفاءة والانتاجية.

الشعب الفلسطيني يريد من العملاق الفلسطيني ـ عملاق حركة التحرر الوطني العالمية، وقائد معركة التحرر في وجه اعتى القوى وأكثرها عنصرية. ان يحاسب كل من اثرى من هؤلاء المسؤولين على حساب الشعب، وكل من فرض ضريبة غير قانونية، وكل من هرَّب أموالا، وكل من تعامل مع رجال الاعمال الاسرائيليين للربح غير المشروع وكل من قصر في واجباته. والا يعيد الوجوه التي لم تخدم ولم تحم ولم تقم بواجباتها بمساعدته، والتي استغلت مواقعها في المسؤولية.

والشعب الفلسطيني لا يريد من الرئيس ياسر عرفات ان يعيد احياء اجهزة الأمن المتعددة بنفس المواصفات السابقة، بل يريد جهاز أمن يحميه، ويحافظ على أمنه، يمنع الجريمة والجبايات ويشعر المواطن بالأمان وان عائلته وأملاكه في أمان.

والشعب يريد من قائده العملاق ان تهتم السلطة بالشعب وان ينال كل ذي حق حقه وان يتعامل المسؤولون بجدية مع حقوق المواطن وان تصرف الاموال لصالح الشعب وتطوير اوضاعه الاجتماعية والتنموية وتنمية صناعته وزراعته وتجارته.

الشعب الفلسطيني الذي يلتف حول القائد الفذ ياسر عرفات، يريد منه ان يحميه ممن اساءوا استخدام السلطات.

وأخيرا الشعب الفلسطيني، المضحي والصامد والذي يملك اكبر نسبة من المتعلمين وخريجي الجامعات في الشرق الاوسط، في كل الميادين (ويتفوق على اسرائيل في ذلك) يريد ان يضع تحت تصرف قائده العملاق كل الكفاءات ذات الانتاجية والشفافية والاستقامة ليعيد بناء المؤسسات من أجل وطن حر، أبي، يفتخر به العرب، ويتفوق، علما وحضارة وانتاجا على دولة اسرائيل، مصدر الارهاب.

قد يكون كلامي هذا مبكرا في ظل الحصار الاسرائيلي الخانق، لكني اعتقد جازما، ان اتخاذ خطوات عملية من قبل القائد ابو عمار لاشعار الشعب الذي ضحى وصمد وما زال صامدا، بأنه جاد وجدي في انتشال احوال الشعب من الذي يعانيه، وعاناه على يد قوات الاحتلال والخلل في تعامل مؤسسات السلطة مع المواطنين. واقول ان اللحظة حانت للتغيير، لتعطي هذا الشعب ما يستحقه من قيادات لا هم لها سوى مساعدته وخدمته وتقديم ما يلزم لرفعة شأنه.

هكذا تتجذر مواجهة الرمز التحرري لرمز الاضطهاد الاسرائيلي. هكذا يلتف الشعب أكثر حول قائده الذي صمد وبادله الشعب بصمود مماثل. فياسر عرفات في صموده يرفع معنويات الشعب وصمود الشعب يرفع معنويات ياسر عرفات.