هل ينجح بوش في إنقاذ مؤتمر السلام القادم من مناورات إسرائيل؟

TT

بالرغم من كل شيء، فان الرئيس الاميركي جورج بوش «وضع بعض الماء» كما يقول المثل الفرنسي في خمرة دفاعه عن آرييل شارون، وادانته لياسر عرفات، واعلانه عن خطة جديدة لاستئناف محادثات السلام، اما شارون، فانه مستمر في عملية تهديم السلطة الفلسطينية سياسيا، بعد ان هدم بنيانها، ومصر على اقناع الادارة الاميركية، بضرورة اقصاء عرفات عن المؤتمر وعن المفاوضات «لضلوعه في الارهاب». وغني عن القول ان هذا «الشرط الاسرائيلي» يعطل اي مفاوضات قبل ابتدائها.

ان المحادثات التي دارت بين الرئيس بوش وولي العهد السعودي الامير عبد الله بن عبد العزيز، كان لها دور كبير في فك الحصار عن عرفات والانسحاب الاسرائيلي الرمزي من بعض الاماكن في الضفة، كما في تعديل موقف واشنطن من النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني بعض الشيء. ولا شك ايضا في ان التفكير او الدعوة الى مؤتمر دولي ـ عربي ـ اسرائيلي، بمشاركة الامم المتحدة هذا الصيف، هو خطوة جديدة هامة في طريق السلام، بعد فشل مؤتمر مدريد ونسف اتفاق اوسلو، ولكن هل نخدع انفسنا او تخدعنا اسرائيل مرة اخرى، فنتوهم أن السلام الفلسطيني ـ الاسرائيلي، ناهيك من السلام العربي ـ الاسرائيلي، بات قريبا او ممكنا.

من الصعب جدا، على الرئيس الاميركي وهو يعد في بداية حربه ضد الارهاب، ان يكافئ اسرائيل على مساعدتها له في هذه الحرب ـ كما صرح ـ بالضغط عليها والزامها بتنفيذ قرارات الامم المتحدة، خاصة ان القوى اليمينية والمحافظة في الولايات المتحدة وفي الكونغرس، على الاخص، لا تهادن في تضامنها ودفاعها عن اسرائيل، وكيف اذا كان الرئيس الاميركي يتطلع الى تجديد انتخابه لولاية ثانية، كما انه من الصعب على شارون والرأي العام الاسرائيلي الذي أيده في اجتياحه للضفة وتدمير بنى السلطة الفلسطينية القبول بالشروط الفلسطينية للسلام السابقة للاجتياح، واما الرئيس عرفات، فلسنا نراه، بعد كل الذي حصل، قادرا على قبول ما رفضه في كامب ديفيد وطابا. (هذا اذا وصل العرض الاميركي ـ الاسرائيلي الى هذه الحدود)، فلماذا، ترى هذا المؤتمر الدولي في الصيف اذا كانت كل المؤشرات تدل مسبقا على ان الهوة بين الأماني الفلسطينية والشروط الاسرائيلية زادت اتساعا وعمقا؟ ان المحادثات التي ستجري بين الرئيس الاميركي وشارون والعاهل الاردني وما سيتبعها من جولات للمبعوثين الاميركيين في المنطقة مرشحة للجواب عن هذه التساؤلات، وهناك عدة «أوراق» امام المؤتمر: مشروع الامير عبد الله الذي اصبح بعد قمة بيروت خطة عربية، وهناك شبه خطة اميركية جديدة تدعو الى تغيير القيادات وجدولة الحل على مراحل، واول بند فيها: وقف العمليات الارهابية، اما عنوان الخطة الاسرائيلية فهو اتفاق مؤقت على وقف العنف، تليه مفاوضات تستغرق سنوات حول الحل النهائي. ان بين هذه الخطط او المشاريع الثلاثة تقاطعاً، ولا ريب ولكن شتان بين معطياتها واهدافها.

الأمر الجديد في مؤتمر الصيف القادم هو اشتراك الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة فيه الى جانب الولايات المتحدة وروسيا وتغييب سوريا ولبنان (وفقا لما نشر) عن المجموعة العربية التي سوف تدعى اليه، فهل سينحصر موضوع المؤتمر عن السلام بين اسرائيل والفلسطينيين؟ ام سيشمل السلام بين اسرائيل والدول العربية؟ وهل هذا السلام ممكن اذا غاب عنه لبنان وسوريا؟ وهل تبقى «الجبهة العربية» فيه واحدة موحدة المواقف والكلمة ولو حضرته كل الدول العربية وسوريا ولبنان؟

ـ لا شك في ان قيام «الدولة الفلسطينية» واعتراف اسرائيل والدول الكبيرة بها، هي الورقة الجديدة الكبرى التي ستطرحها واشنطن والاتحاد الاوروبي على طاولة المؤتمر، ولكن هذه الدولة التي لا تستطيع الحياة بدون مساعدات كبيرة ولسنوات عدة من المجتمع الدولي ومن الولايات المتحدة والدول الاوروبية والعربية من الصعب في الظروف الراهنة ان تكون هي الدولة المستقلة الخالية من المستوطنات والممتدة الى حدود 1967، اي تلك التي يطالب بها الشعب الفلسطيني والعرب.

ان مؤتمر السلام سوف ينعقد على الارجح هذا الصيف، ولكن اسرائيل سوف لن تكف عن المناورة واختلاق الوثائق والحوادث، لكي تعطل هذا المؤتمر، قبل انعقاده او لتفشله، اذا انعقد.

غير ان المشهد الراهن للصراع العربي ـ الاسرائيلي ليس ملونا كليا بالسواد، بل هناك بعض الحقائق والايجابيات التي تستحق الابراز والتأكيد:

حقيقة اولى، هي ان عرفات ما زال على رأس السلطة الفلسطينية، وان القضية الفلسطينية ربحت اخيرا الاعتراف الاميركي والدولي بقيام الدولة الفلسطينية، وإن كان على أنقاض كل ما بنته في تسع سنوات.

حقيقة ثانية، وهي ان الفلسطينيين والعرب والمسلمين خرجوا من هذه المعركة الاخيرة التي خسروها عسكريا رابحين سياسيا واعلاميا، اذ وحدت قمة بيروت بين المواقف العربية الرسمية من السلام، في الشكل والشعارات، واظهرت تضامن الشعوب العربية والاسلامية مع الشعب الفلسطيني وتعاطف دول وشعوب كثيرة في العالم معه.

حقيقة ثالثة، وهي ان ارادة المقاومة ورفض الامر الواقع الاسرائيلي عند الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والاسلامية، لم تكن يوما في مثل ما هي عليه اليوم بعد العدوان الشاروني على الضفة وغزة، حتى لو لم يتبلور هذا الرفض او هذه المقاومة في خطة او استراتيجية عربية واحدة لاستعادة الحقوق الفلسطينية والعربية في فلسطين.

حقيقة رابعة: سواء ضغطت الولايات المتحدة او لم تضغط على اسرائيل، وسواء عقد المؤتمر الدولي القادم هذا الصيف او لم يعقد او فشل، وسواء تغيرت الحكومة في إسرائيل، وقامت سلطة فلسطينية جديدة، ام لا، فإن عملية السلام بين العرب والاسرائيليين دخلت مرحلة تاريخية جديدة، قد تطول سنوات، إن لم نقل عشرات السنين، فوقف القتال شيء وقيام دولة فلسطينية شيء آخر، وتوقيع اتفاق سلام شامل او اتفاقات سلام منفردة، شيء ثالث، واما السلام الشامل والاعتراف والتعايش بين اسرائيل وجيرانها العرب في المنطقة، فلا يزال بعيدا، وبعيدا جدا.

حقيقة اخرى: ان اسرائيل بدأت تقيم على طول حدودها وحول مستوطناتها «جدارا» من الاسلاك الشائكة وابراج المراقبة، تفصل بينها وبين الضفة والقطاع بانتظار السلام الآتي بعد اجيال، هذا اذا اتى. اما الفلسطينيون والعرب، فليس في ايديهم، حتى الآن سوى ارادة المقاومة وخطة السلام التي اقرتها قمة بيروت، وليس ذلك بكاف للتغلب على التحدي الاسرائيلي، لا على المدى القصير او على المدى الطويل، حتى ولو غيرت الولايات المتحدة موقفها من اسرائيل، وهذا مستبعد طالما ان حربها على الارهاب لم تنته، وطالما انها مقتنعة بأن الارهاب ومقاومة الاحتلال الاسرائيلي شيء واحد.