هل تهمنا العلاقة مع أميركا؟

TT

هناك معركة شرسة تجري بين العرب ـ او فلنقل بعض العرب ـ وبين اسرائيل للتأثير على السياسة الاميركية، وعلى الرأي العام الاميركي والعالمي. وبينما تخوض اسرائيل هذه المعركة بكل ثقلها وبشكل مدروس، تبدو غالبية العرب غير آبهة او غير مدركة لأهمية المعركة، ولضرورة كسبها. اذ بينما تجند الاسرائيليون واللوبي اليهودي للمعركة الاعلامية ورسموا استراتيجيتهم وحسبوا كل خطواتهم، تغرق غالبية المثقفين والمحللين العرب في مخاطبة الذات والتباري بالشعارات، وبالاستعراض من خلال المزايدات، وهو اسلوب لم يحقق للعرب الا المزيد من الخيبات والنكسات، التي عانينا منها الكثير وما نزال، لاننا لم نتعلم من تجارب الماضي، ولم نعرف حتى الآن كيف نوظف ثورة التكنولوجيا والاتصالات لكسب المعركة السياسية. ففي عصرنا الحالي هنالك اهمية قصوى للصورة التي تنقلها شبكات التلفزيون، وللتأثير الذي يحدثه الاعلام على الرأي العام وبالتالي على القرار السياسي. ومن يعرف طبيعة النظام الاميركي يدرك اهمية الاعلام، واهمية اسلوب «اللوبي» او مجموعات الضغط التي تصنع وتشكل السياسات. لذلك عندما يسلط الضوء على مجموعة صغيرة من المتظاهرين العرب، وتنقل وكالات الانباء آراء بعض «المثقفين» الذين هللوا لاعتداءات 11 سبتمبر، تتلقف «الآلة الاعلامية» لخصوم العرب هذه الاشياء وتبثها لإحداث مزيد من الضرر والتشويه للصورة العربية في الغرب.

وعندما ترفع لافتة في مطعم او متجر في عاصمة عربية مكتوب عليها «غير مسموح بدخول الاميركيين»، تنتشر الصورة على وكالات الانباء لتحدث تأثيرا ضارا في الرأي العام الاميركي. ولكي نفهم اكثر علينا ان نسأل انفسنا: لو رفع احدهم لافتة كتب عليها «ممنوع دخول العرب» في متجر في واشنطن او لندن او باريس، ماذا سيكون موقفنا؟ بلا شك سنملأ الدنيا صراخا وسنعتبر المسألة اهانة لكل العرب وعنصرية قبيحة ضدنا.

لماذا اذاً نقوم بمثل هذه الممارسات التي تنعكس سلبا على قضايانا وتضر بصورتنا في الخارج لتصب في مصلحة الخصوم وتجعلنا نخسر تعاطف الشعوب. ان مشكلتنا ليست مع الشعب الاميركي، بل ان خلافنا هو مع السياسة الاميركية المنحازة لاسرائيل، واصلاح هذه السياسة والتأثير عليها لا يتم باستعداء الرأي العام الاميركي، بل بكسبه الى جانب قضايانا العادلة. ومعاداة اميركا لن تجعلنا نكسب معركة اقناعها، بل ان ذلك يتم فقط من خلال العمل المتصل اعلاميا ودبلوماسيا وسياسيا عبر القنوات المتاحة، واستثمار علاقات الصداقة والمصالح المشتركة، وايضا عبر التصدي للممارسات الخاطئة التي يرتكبها البعض عن حسن نية والبعض عن قصد.

اميركا ليست كلها شرا، مثلما يزعم المتطرفون الذين يروجون لمقولة «الشيطان الاكبر»، وليست كلها خيرا، مثلما يقول الحالمون. وهي حتما قوة عسكرية واقتصادية وحضارية كبرى، لدينا معها علاقات مصالح ومنفعة، وليس من مصلحتنا ان نخسرها ونتركها للاخرين، واذا كان لدينا خلاف مع ساستها فليس لدينا عداء مع شعبها.