إن فيها قوما جبارين

TT

كان مشهدا يهز الوجدان، ويكاد القلب بنبضاته المتسارعة لرهبة ذلك المشهد يخترق قفصه الصدري!! هي لقطة متلفزة وصلتني عبر الانترنت من الصديق محمد بشير كردي السفير السعودي السابق في طوكيو، المشهد يصور جنديا صهيونيا مدججا بالسلاح يلاحق طفلا فلسطينيا اعزل لا اظنه يتجاوز العشر سنوات، وفيما الوغد الاسرائيلي المستسعر يشد في المطاردة، استدار الطفل المعجزة فجأة ـ كالشبل الهصور ـ يريد التقاط حجر من الارض الفلسطينية الطيبة فزلت قدمه الصغيرة فوقع على الارض، فتوقف المشهد وحبس المنتج انفاسنا لمدة ثوان كانت في حساباتنا كأنها الدهر!! حتى اننا لم نكن نفرق بين دوي ضربات الطبل التصويرية لهذه اللقطة وبين دقات القلب الذي يكاد يتفطر شفقة على هذا الصبي الشجاع! تواصلت احداث هذه المطاردة الدرامية ـ التي لم تتجاوز العشرين ثانية!! ـ حيث استعاد هذا الغلام الهزَبْر توازنه بسرعة والتقط من الارض حجرا، اكثر الاسلحة فتكا في معنويات بني صهيون. لقد وددت لو ان كل واحد منكم رأى كيف اصيب هذا الجندي بالرعب وهو يرى الطفل يلتقط الحجر وكأنه يمسك بقنبلة انشطارية! وبكل اقتدار ودقة في التصويب رمى الشبل الفلسطيني حجره (وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى) فأصاب وجه (الدجاجة) الصهيونية المسلحة، فولى مدبرا ولم يعقب، ويا لروعة المنظر والطفل الجسور يلاحق الجندي المثقل بأسلحته وعتاده.

اني أكاد ارى الغد الفلسطيني المشرق تبدو ملامحه من وراء مثار النقع الذي خلفته هذه المعركة غير المتكافئة، وارى في الحجر الذي حملته هذه اليد الغضة لهذا الطفل المفخرة شهابا ساطعا يضيء طريق الجهاد الى تحرير المقدسات، وحتى العثرة المفاجئة لهذا الطفل الفلسطيني اليافع التي اعقبها استعادة للتوازن كانت لها دلالاتها، فطريق التحرير مليء بالعثرات، تعثر في القدس وجنين وطولكرم ورام الله، ولكن العاقبة للمتقين فان ربح الصهاينة بعض المعارك فنتيجة الحرب ـ بحول الله ـ لنا، وقصة هذا الصبي ـ ومثلها مئات ـ احدى ارهاصات النصر الموعود.

اتمنى ان تتبنى المدارس في طول العالم الاسلامي وعرضه بث مثل هذه الملاحم الجهادية في فلسطين المناضلة على طلابنا في مدارسهم، فمثل هذه اللقطات التي لا تتجاوز ثواني معدودة اصدق انباء من الكتب والمحاضرات، اتركوا المجال للمدارس ان تربي في النشء معاني العزة والانفة والكرامة، اجعلوا قضية القدس وجراحات اهلينا في فلسطين، حية في اجيالنا، فان كنا نحن عاجزين فلنمهد الطريق للاجيال القادمة ان تستلم الراية فلربما كانوا خيرا منا ثم لا يكونون امثالنا.

اما على الصعيد الاعلامي فان حسرتنا لا حدود لها على بعض القنوات الفضائية او بعبارة ادق (الفاضية) التي لم تواكب الحدث في فلسطين فلم تستفد من هذه المشاهد كي تلهب بها الحماسة في شبابنا واطفالنا وتزرع فيهم روح العزة والكرامة، تماما كما يفعل بنو صهيون مع اجيالهم. تفاعلت فضائياتنا مع الانتفاضة بطريقتها الخاصة، فجعلت الاجساد الناعمة المعترية (تنتفض) تضامنا مع الانتفاضة! وجعلت تأوهات مغنيات الكبريهات تتناغم مع تأوهات الثكلى في فلسطين الجريحة وكأن هذه الفضائيات تعيش في كوكب وما يجري في فلسطين يجري في كوكب آخر. ان اطفال الحجارة القموا بني صهيون (حجرا) فأدبوهم، فمن يؤدب بعض الفضائيات التافهة؟!