هل أنت عربي...؟

TT

هل تحس بالجفاف العاطفي؟ وبالغضب والحزن والقهر؟ وهل تخيم فوق رأسك غيمة احباط رمادية، وتتبعها واحدة سوداء تلخصان نظرتك للحاضر، والمستقبل..؟

ان كنت كذلك فأنت عربي قح، ولا عليك من صفات ساطع الحصري، وزكي الارسوزي، فهذه الأيام تعرف العربي بالغيظ الذي يشتعل داخله وبالقهر الذي تراه في نظراته التي بقي بينها وبين الانكسار شعرة نأمل الا يقطعها اليأس المطهم القادم على ظهور خيول عربية غير اصيلة.

وحين تغني مع المغنين في زمن الكفر بالعروبة «سجل انا عربي»، فتذكر ان هذا الالتزام مكلف وشاق، فسوف يأتي على العروبيين حين من الدهر يعاديهم النهر والبحر، والمرآة ومسواك الاسنان، وحجارة الارصفة، وهوام القبور، ففكر بكل هذا قبل ان تجيب بنعم على من يسألك هل انت عربي..؟

وكل هذا لا يهم، فالعداوات الخارجية قدر كل من يدب على الأرض، لكن اخطر عداوات العرب من داخلهم، واشرس اعدائهم سيلبس العباءة، ويعتمر الكوفية، ويطعنهم في الامكنة التي يعرف انها توجع، وفي الأزمنة التي يلجأون فيها الى ظل جدار لغسل جراحهم من مرارة الساعات وغدر الايام.

القلاع تؤخذ من داخلها، هكذا علمهم جارهم هوميروس في «الالياذة»، لكنهم لبراءتهم لم يتعلموا، ومازالوا يدخلون الحصان تلو الآخر، وطروادة تئن، وتستغيث، فحصان واحد يكفي ليدمر امبراطورية أو ينقذها، وقد شحت الاحصنة وعلق سلاحهم الفرسان.

هل تحس بالغضب..؟ اذن انت عربي، لكنك كيفما تلفت لا تجد الا الإعراض والتجاهل والخذلان، فازدد غضبا يزيدونك عداوة الى ان يفهموا ان استسلامك حالة ميؤوس منها رغم كل هذا الخراب العظيم.

في الماضي كانوا يزعمون ان اللغة واحدة من اهم مقومات الشخصية القومية، وهاهم عرب النكبات يجدون التعاطف من الافغان والاكراد والالبان والشيشان والهنود ويتلفتون لعرب اللسان، فلا يجدون الا الخطب والمدائح وشعراء ينتظرون ليكتبوا المرثية الأخيرة لعروبة يحتضر قلبها في عز الظهيرة امام بنيها الذين يملكون حق التفرج لا حق المشاركة في المواساة والانقاذ.

هل تشعر بمرارة ان يموت اخوك امام ناظريك وانت تتمزق داخل اصفادك..؟

اذن انت عربي، فاغضب، واحزن، وتمزق، وتفجر، لكن اياك ان تحس للحظة بالعجز، فكل من يتفرجون على آلامك ينتظرون تلك اللحظة، وانت لست ضعيفا لكنك مقيد وممنوع من الفعل وتعرف كما يعرفون انه لكل ليل نهاية، وكل قيد لا بد له ان ينكسر رغم الحداد والجلاد والسجان، وشعراء المراثي والمدائح والخصيان.

هل تحس بالرغبة بالاستسلام..؟ اذن انت لست عربيا، فالعربي يحزن ويتمزق، وتكبو له احصنة وتنبو له سيوف ورماح لكنه لا يستسلم، وهذا زمن تبحث فيه عن اجمل صفات العروبة، وارقاها لتموت واقفا وشامخا وحزينا وعيناك معلقتان بأبعد نجم في السماء.