متى يستوعب العرب الدرس.. ولو مرة واحدة؟

TT

الآن، وبعد أن بدأ الغبار بالانقشاع من سماء أراضي السلطة الفلسطينية وانتهاء «الانتفاضة» الثانية بهذا الثمن المروع! الآن يجب ان يحاول العرب ـ ولمرة واحدة ـ استيعاب الدرس الذي تلقوه مرة أخرى، من دون ان يستوعبوا نتائجه وما سيرتب عليه من الدخول في دورة تاريخية جديدة ـ قديمة.

بداية، يجب ان نعترف بأن الذين دفعوا الأطفال الى «الانتفاضة» الثانية لم يكن لهم هدف سياسي محدد يحققونه ويعود بالنفع على الشعب الفلسطيني، ولينطلقوا منه الى نتائج افضل، لقد اتضح بما لا يدع لعاقل مجالاً للشك بأن الذين خططوا لها كان هدفهم افشال أي تحرك يريد الرئيس عرفات ان يقوم به، وان يجعلوه أسيرهم وأسير اسرائيل في آن واحد.

المأساة، ان الانتفاضة انتهت بارتكاب جرم ـ في رأيي ـ بحق الشعب الفلسطيني، والضحايا الذين قدموا دماءهم ثمناً لذلك لم يدفن أغلبهم حتى الآن.

أراني أطرح هنا اسئلة تجول في خاطري منذ ان بدأت المظاهرات تجتاح الشوارع العربية، معيدة الى الذاكرة تلك المظاهرات العارمة التي خرجت للدفاع عن شرف الأمة (في رأيها!!) ممثلاً بالرفيق صدام.

كم قطر عربي خرجت فيه المظاهرات بصورة تلقائية؟ لقد سمعت وعلمت أن لجاناً مشتركة بين الحكومات والأحزاب شكّلت للاعداد لها، وتقدم الصفوف كبار المسؤولين في بعض الدول العربية، قاطعين بذلك الطريق على المزايدين الذين يروجون ـ غفر الله لهم ـ الى تخلف الحكومات عن مواكبة نبض (!!إ) الشارع. وأتساءل هنا: لماذا لا يندفع هؤلاء للتعبير عن احتجاجهم على سوء (بل انعدام) الخدمات الأساسية في أوطانهم؟ بلدان لا صحة فيها ولا تعليم ولا خدمات، وترزح تحت خط الفقر (وفوق خط الهوان)، وكلهم مشغول بفلسطين، ولا صوت يعلو على صوت المعركة! هل تعتقد ان المسؤولين سيشاركون في هذه المظاهرات اذا ما قرر المواطن ذلك؟

ثم لماذا تدافع المواطنون الى التبرع بمالهم ـ وتقدم الصفوف مرة أخرى مسؤولون كبار للتبرع بما جادت به أنفسهم (بارك الله لهم فيه ان كان حلالاً!) ـ وأتساءل هنا ثانية: لماذا لا يقوم هؤلاء بتوعية المواطنين بأهمية التبرع لتحسين الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية في بلدانهم! ماذا لو ان كل قطر عربي تفرغ منذ سنة 1948 لبنائه الداخلي، ولم يجعل قضية فلسطين شغله الشاغل، وهاجسه الذي لا يهدأ؟ ألم يكن ذلك اجدى من الانفاق على الجيوش وتسليحها لكي نستمتع بمارشاتها العسكرية بين الحين والآخر؟ ماذا لو ان كل قطر عربي ركز على تعليم المواطنين وتحسين مستواهم الصحي والنفسي والثقافي! ألن يجعل ذلك المعركة مع اسرائيل معركة حضارية بدلاً من ان تكون معركة دينية أو عسكرية؟! ثم أني استغرب من علماء الدين الذين ضجوا المسامع عن الجهاد ضد اسرائيل، وانشغلوا في الصراع والمزايدة في فقه الانتحار، لكنهم لم يحضوا المواطنين على جهاد النفس، أما كان ذلك اجدى وأنفع لهذه الأمة التي حلت نكبتها في بداية القرن على أيدي عسكرييها، وتتجه الآن الى النكبة الثانية على أيدي بعض فقهائها.

اننا نعيش مأساة داخل وطننا العربي مع بعض اخواننا وآبائنا العلماء (علماء الدين طبعاً لا علماء الفيزياء والطبيعة والصحة والهندسة). انهم مفزعون ومرعبون ويكفي ان يكفرك احدهم لتنزوي في ركن قصي تتلفت حولك رعباً وفزعاً من ان تطالك يد معتوه.

أما في هذه الأمة بقية من أمل نحيا له!

* دبلوماسي عربي فضّل الاحتفاظ باسمه الحقيقي