السياسة الأميركية تحت الحصار الإسرائيلي

TT

يمكننا الحفاظ على الرؤوس تحت الرمال لعقود اخرى مقبلة، ونسهل كلاماً قائلين ما معناه: لا فرق بين الاميركيين في رؤاهم لقضايا العرب، السياسة الاميركية هي المسؤولة عن الافعال الاسرائيلية، هناك مؤامرة وتوزيع ادوار اسرائيلية ـ اميركية، الرئيس الاميركي بامكانه حل قضية الشرق الاوسط بأمر واحد لاسرائيل، وغير ذلك من الاقاويل الشمولية التي تعلق القضايا والهزائم على اسهل المشاجب. واقع الحال، كما تجلى مجدداً في الايام القليلة الماضية، يظهر حقائق من نوع: ان الرئيس بوش، او غيره، لا يملك القرار السياسي النهائي لبلاده، وعليه النضال الصعب لتمرير سياسته. وان القرار الرئاسي حول الشرق الاوسط، او غيره من المواضيع، يواجه تحديات في مجلسي النواب والشيوخ، ولا يستطيع الرئيس تجاوزها الا مؤقتاً وبقرار تنفيذي يكون عرضة للاستجواب والالغاء بعد فترة زمنية. ولانه لا يمكن، وليس الهدف هنا، شرح التركيبة السياسية والقانونية الاميركية، فيمكن الاختصار بالقول، ان الرئيس الاميركي لا يملك صلاحيات الرؤساء العرب على اجهزتهم التشريعية، ويحتاج الى اقناع الممثلين المنتخبين من الشعب بكل ما يريد تنفيذه. وهنا تأتي اهمية التأثير في اعضاء مجلسي النواب والشيوخ، وقبل ذلك، التأثير في الناخب الاميركي، أي الرأي العام ومكوناته.

قبل طرح المعلومات والارقام المتوفرة بهذا الصدد، من المفيد مراجعة بعض ما حدث اخيراً من صراع على الساحة الاميركية.

عندما كان الرئيس بوش يستعد لاستقبال الامير عبد الله في تكساس، كان وزير الخارجية يبذل قصارى جهده لاقناع مجلسي النواب والشيوخ بالكف عن التصويت على قراري تأييد لاسرائيل وشجب للرئيس عرفات. وشارك الرئيس، شخصياً، عبر الهاتف، في التمني على المعنيين ولم يتمكن سوى من تأخير التصويت لايام. عملت الادارة بنشاط لتخفيف صياغة القرارين من جهة واضافة فقرات ايجابية في الصالح الفلسطيني، ولم تكن النتائج مرضية تماماً للرئيس بوش وادارته، اذ صرح، المتحدث باسم البيت الابيض، بعد ذلك، قائلاً: الرئيس يتفهم ان الكونجرس سيتحدث عما في عقله عبر قرارات غير ملزمة، وان الرئيس سوف يحترمها. وقال المتحدث ايضا: الرئيس يتفهم ايضاً انه لا توجد سياسة خارجية ذات 535 من وزراء الخارجية. وذلك في اشارة الى عدد اعضاء الكونجرس وتدخل المجلس في الشأن الخارجي.

من الواضح، الان، كما في السابق، ان الُمشرعين في الولايات المتحدة يريدون التعاطف مع اسرائيل وتأكيد حمايتها ودعمها ومحاربة من يعاديها، وذلك بفضل جهود اللوبي اليهودي وتأثيره في النواب وكيفية انتخابهم وابتزازهم. وعلينا توقع قرارات اخرى قريباً لصالح اسرائيل وضد دول عربية. تكتيك اللوبي والنواب، الآن، هو الربط بين الحرب الاميركية ضد الارهاب وتأكيد ان اسرائيل تمارس الهدف نفسه ضد خصومها وخصوم الولايات المتحدة، أي ان الاميركي او الاجنبي الذي يعارض دعم اسرائيل انما يؤيد الارهاب ويعارض سياسة الولايات المتحدة. هذا التكتيك مورس منذ تسلم شارون للحكم وبداية حملة اخراج الرئيس عرفات عن الشرعية، حتى تسليم شارون للاعلام والرئيس الاميركي هذا الاسبوع ملفاً يدعي تأكيد الصلات بين عرفات والسلطة والارهاب. طبعاً لم يمر احد في هذه الفترة على نقاش اذا كانت المقاومة ارهاباً، او تعريف الاحتلال وطرق مقاومته، اذ اعتبرت العمليات الانتحارية ارهاباً ولم يعد سوى ربطها بعرفات. لو توقفنا هنا لحظة لتذكر طلبات الرئيس بوش ووزيره كولن باول من الرئيس عرفات بقول كذا، وفعل ذاك، طوال الشهور الماضية، لامكننا فهم ان بوش كان يبحث عن عوامل تأييد ودعم لسياسته، لكن ظروف عرفات لم تكن تؤهله لمراعاة ذلك وللتفريق في تفاصيل الساحة الاميركية. هكذا نسمع الان نبرة اميركية جديدة بان الشعب الفلسطيني يستحق قيادة افضل من الحالية، وسيهدر طبعاً الكثير من الوقت وتحرق بضع اوراق تفاوضية حتى يقتنع شارون واللوبي باستمرار التعامل مع عرفات، ولكن ضمن شروط تحتم الفشل. يجب ان لا ننسى للحظة ان سر هذه الهجمة من اللوبي، عبر الاعلام والنواب ضد السعودية والقيادة الفلسطينية، علناً، وضد الرئيس بوش، ضمناً، هو تصريحات الرئيس ووزير خارجيته حول قيام دولة فلسطينية وتأييد قرار من مجلس الامن بهذا الصدد. ان اسرائيل تريد تعطيل هذا التطور، او ايصاله الى نتيجة قزمية لا تؤثر في اهداف وتوجهات اسرائيل المستقبلية. ما هي اذاً القوى المتفاعلة بهذا الصدد على الساحة الاميركية؟

هناك سته ملايين يهودي اميركي يقابلهم (نظرياً) ثلاثة ملايين عربي اميركي. لليهود عدة منظمات لوبي اهمها «ايباك»، التي توظف مائة واربعين مختصاً، ويدعمها ناشطون من الجالية بالتبرع وبالكتابة والضغط على ممثليهم وعلى الاعلام. اما العرب فهم في بداية تنظيمهم وبحاجة للدعم المتنوع والاستفادة من تجارب اللوبيات، وغالبية جمهورهم معتكف. النتيجة هي وجود سبعة وثلاثين عضوا يهودياً في الكونجرس، وستة نواب عرب في الكونجرس فقط، يتمركز اليهود بكثافة في ولايات مهمة مثل نيويورك وفلوريدا وكاليفورنيا، بينما العرب موزعون اكثر. رغم تأثير اليهود في الاعلام الاميركي، كما ظهر جلياً في الاسابيع الماضية، فإن واحداً وسبعين في المائة من الاميركيين لا يريدون تدخل بلادهم فعلياً الى جانب أي طرف، لانهم لا يريدون تحمل خسائر من جراء هذا الصراع. يشار ايضاً الى ان التأييد الاميركي العام، حسب استطلاعات الرأي، لا يزال في صالح اسرائيل، ولكن النسبة في تراجع تدريجي ملحوظ. ومن المهم استذكار ان الكونجرس ايد في ديسمبر (كانون الاول) الماضي، قراراً داعماً لاسرائيل يشابه قرار الاسبوع الماضي. انذاك امتنع عن التصويت تسعة واربعون عضواً، والان امتنع عن التصويت اثنان وثمانون عضواً (الى جانب ستة من مجلس الشيوخ)، وهذا نتيجة لتفاعلات مشروع السلام العربي، والنشاط الافضل للجالية العربية، والحملة الاعلامية عبر الانترنت في الولايات المتحدة في فضح التصرفات الاسرائيلية، وايضاً تذكر الادارة للفلسطينيين بالخير بين الحين والآخر.

اذا لم نميز بين الاميركيين، الذين يرفضون تدخل بلادهم، والذين يريدون التدخل لبلادهم في المنطقة، ولم نفرق بين النواب المهتمين بمصالح بلادهم، وبالتالي يعارضون او يمتنعون بشجاعة عن التأييد الاعمى لاسرائيل، واولئك النواب الذين يتصرفون وكأنهم حلفوا يمين الولاء لدولة اجنبية، واذا لم نفهم ظروف صنع القرار وموقع الرئيس الاميركي بين مؤسسات بلاده، فإننا سنخدم عملياً سياسة اسرائيل.

هذه المعركة لا تدار بالسلاح فقط، ولا بحرق الاعلام والصراخ الموسمي، ويجب ان لا يكون ابطالها الانتحاريون وبقية الجمهور بين متفرج ومولول. علينا الاعتراف بأهمية الساحة الاميركية وتنوعها، وربما علينا تقديم الشكر الى 88 من النواب والشيوخ الذين وجدوا الشجاعة لعدم الانجرار خلف مصالح التطرف الاسرائيلي، وذلك بالكتابة اليهم عبر بريدهم الالكتروني او الفاكسات (العناوين متوفرة لدى مجلس العلاقات الاسلامية الاميركية كير ([email protected]).

ان الجزء الرئيسي من الاستراتيجية العربية الناجحة هو في يد الجمهور اصلاً، ومن عناصرها تطوير الدعم للشعب الفلسطيني ليواصل الصمود والنضال، تحديد واصرار على الرؤية السلامية العربية حتى لا تهدر الحقوق في المفاوضات، التفاعل الايجابي اعلامياً. [email protected]