حرب على ماذا؟!

TT

إذا قررتم أن تمضوا أياما قليلة في اندونيسيا، فسوف يوجه الناس اليكم سؤالا قد لا تكونون مهيأين للإجابة عليه: هل ستصبح حرب أميركا ضد الإرهاب حربا ضد الديمقراطية؟

وكما يرى الاندونيسيون، منذ عقود اعقبت الحرب العالمية الثانية، فإن الولايات المتحدة اصطفت الى جانب الديكتاتوريين من امثال رئيسهم السابق سوهارتو. وهم يعزون ذلك إلى حرب اميركا ضد الشيوعية. ومع سقوط جدار برلين، بدأت الولايات المتحدة بالضغط، بشكل أقوى، من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلدان مثل اندونيسيا، وذلك نتيجة تحول الولايات المتحدة من سياسة الاحتواء للشيوعية إلى توسيع دائرة الأنظمة الديمقراطية. آنذاك كان الاندونيسيون يتابعون هذا المسعى، وفي سنة 1998 قاموا بإسقاط سوهارتو وأنشأوا، لأول مرة، ديمقراطيتهم على أساس مبدأ الانتخاب.

اليوم يتابع الاندونيسيون أيضا، المساعي الأميركية الجديدة، لكنهم قلقون من أن تكون الولايات المتحدة قد تحولت عن حربها من أجل الديمقراطية إلى حربها ضد الإرهاب، وفي هذه الحالة، سيكون تقييمها لبلدان (العالم)، مستندا إلى موقفها المعارض او المؤيد لهذه السياسة، لا بمدى صحة انتخاباتها أو متانة أجهزتها القضائية، بل بمدى ما تظهره جيوشها ومؤسساتها الأمنية من استعداد لخوض الحرب ضد تنظيم «القاعدة». وفي اندونيسيا، حيث الديمقراطية ما زالت هشة، فان أي تشجيع لعودة نفوذ هذه المؤسسات، التي كانت شديدة القوة ومصدرا متواصلا للخوف، والتي ضعفت قليلا الآن، يعتبر في حد ذاته خبرا سيئا.

قال ويمار ويتويلار، المعلق الصحافي الاندونيسي المعروف: «كان الديمقراطيون الاندونيسيون يعتمدون دائما على الولايات المتحدة كنقطة ارتكاز ودعم. وإذا وجدناها مزعزعة في هذا المجال، فإننا لا ندري لمن نتوجه. ان الامر يشبه اختفاء الشمس من السماء حيث يصيب الصقيع كل شيء مرة أخرى».

هناك قناعة مشتركة، بين أفراد النخبة الاندونيسية، مفادها أن أنظمة ديكتاتورية مثل باكستان وماليزيا، قد كسبت، فجأة، الحظوة لدى أميركا، بسبب سياستها ضد الإرهاب، بينما أقصيت بلدان أخرى مثل اندونيسيا الديمقراطية، على الرغم من حالة الفوضى القائمة فيها الان.

قال الكاتب الاندونيسي، أندرياس هارسونو «نحن متخوفون من أن تكون الأجندة الأميركية لنشر الديمقراطية وتعميقها قد دمّرت مع مركز التجارة العالمي. فمنذ 11سبتمبر، استثمر الكثير من زعماء الدول حرب الولايات المتحدة ضد الإرهاب، لكي يقوموا بمصادرة حرية الإعلام والصحافة في بلدانهم، وإعادة عقارب الساعة الى الوراء. وبات ينظر لاندونيسيا، التي تمتلك ديمقراطية ضعيفة وبحاجة إلى الدعم، كبلد ضعيف يقدم الحماية للإرهابيين، بينما ينظر إلى ماليزيا كبلد متفوق على اندونيسيا بسبب اعتقالها عددا أكبر من الإرهابيين مما قمنا به».

يعتقد العديد من الناس في اندونيسيا، أن العناصر «الرجعية»، داخل الجيش والشرطة، قامت بتشجيع الصدامات الطائفية الأخيرة في جزيرة آسيهْ ومالوكو، من أجل دفع البرلمان لمنح الأجهزة الأمنية ما كانت تتمتع به من صلاحيات.

في هذا الصدد، يقول يوسف وانادي، الذي يرأس مركز الدراسات الاستراتيجية: «تحدثت، مؤخرا، مع عدد من العسكريين الكبار الذين تساءلوا: لماذا لا تتخلى الحكومة عن كل ما يسمى بحقوق الإنسان، وتترك حل المشكلة لنا؟ وقالوا، إن على الأميركيين أن يعيدوا علاقاتهم مع الجيش الاندونيسي، ونحن سنقوم بالواجب لصالحهم». ويعلق وانادي قائلا: «هذا ليس الأسلوب الصحيح، لأننا لا نعتقد أن الإصلاحات التي جرت داخل الجيش كانت كافية، وهذا ما يجعلنا لا نثق بما يقوله قادته».

لكن، والحق يقال، لم تغير إدارة بوش من مساعداتها المخصصة لاندونيسيا، والتي تبلغ 130 مليون دولار سنويا، إضافة إلى إعلانها، بشكل رسمي، عن دعمها لاندونيسيا في حربها من أجل الديمقراطية، وفي الوقت نفسه تقديم ما باستطاعتها من جهود في الحرب ضد الإرهاب. (لا أحد يعلم إن كانت هناك أي خلايا لـ«القاعدة» في اندونيسيا).

مع ذلك، هناك بعض المسؤولين الكبار في البنتاغون، يدفعون باتجاه عودة الجيش الاندونيسي إلى المسرح السياسي، وإعادة الصلات مع العسكريين، الذين تم تجميدهم بعد أعمال القمع التي قام بها الجيش في تيمور الشرقية سنة 1999. وقد بدأت اندونيسيا، للتو، في محاكمة العسكريين المسؤولين عن أعمل القتل في تلك الجزيرة. وإذا كانت هناك إمكانية لادانة أي ضباط بسبب ما وقع في تيمور الشرقية، فان هذه الإمكانية ستضيع إذا لمحت واشنطن الى أنها معنية الآن بقوانين محاربة الإرهاب، التي تناقش في البرلمان، وحريصة على إعطاء الجيش كل الصلاحيات لتنفيذها.

على الولايات المتحدة أن تكون مطلعة للكيفية التي ينظر بها إلى حربها ضد الإرهاب في البلدان الأخرى، خصوصا تلك التي تمر بمرحلة انتقالية، مثل اندونيسيا، التي تعتبر أكبر بلد إسلامي عالميا. وأكبر مساهمة يمكن أن تقدمها للولايات المتحدة هي أن تظهر للبلدان العربية أن بالإمكان بناء ديمقراطية إسلامية، مع اقتصاد حديث ورؤية دينية معتدلة. بدعم هذا النموذج، ستقدم فوائد أكثر على المدى البعيد للولايات المتحدة من اعتقال بعض مقاتلي «القاعدة» في غابات بورنيو.

* صحافي وكاتب اميركي ـ خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»