حرب كلامية في الفضاء

TT

من يشاهد القنوات الفضائية هذه الايام، يظن أننا سنحرر القدس بالأغاني والرقصات. حتى البرامج التلفازية تحولت الى تراشق بالقذائف الكلامية، للأسف، بعد ان تعلموا الصراخ على يد فضائية عربية اتقنت فنون «النق» الفضائي، حين استعارت دور اذاعة بريطانية قديمة، أخذت تمجد الجيش الألماني فى ذروة الحرب، حتى صدقها الألمان انفسهم، وعندما حانت ساعة الصفر، وفتحت جبهات القتال بين بريطانيا وألمانيا، بدأت الإذاعة تلك بالكشف عن نياتها، وأخذت تهاجم من كانت تمجدهم بالأمس حتى اخترقت في صفوفهم. وها نحن نقترب من تصديق كل ما يقال، ويبث وسط معارك كلامية، واجساد تنز طربا ودما يراق بحروف الخلافات. ***** ما كان لاسرائيل أن تفعل ما فعلته لو لم تكن تعرفنا تماما، وتعرف اننا سنتابع عدوانها وغزواتها الوحشية من على مقاعدنا المنزلية امام شاشات التلفزة نتابع الحصار، ونتفرج على ما تمارسه من عنف وما يخلفه جيشها من دمار، وعند الظهيرة، وربما في امسيات رطبة منعشة، نتناول «الهمبرجر» و«البيتزا» قبل ان نخلد الى نوم عميق على اسرة «سليب هاى»، نحلم فوق فراشها الناعم الوثير ببيت المقدس محررة. ***** نقاطع او لا نقاطع، هذا هو السؤال الذي يذكرني بعاشق ولهان يمسك وردة بين اصابعه، يختبر حبه بسؤالها عن مشاعر الحبيب: يحبني، لا يحبني. ان قررنا المقاطعة، انتحرنا اقتصاديا، لأننا بننا ببساطة من يستفيد من منتجات الاخرين. فكم من عامل وموظف سوف يخسر عمله من توقف مصنع أو متجر، وكم من طالب سيتعثر في دراسته ان هجر جهاز الكومبيوتر وشبكة الإنترنت، فنحن لم نوجد، بعد، بدائل لما سنقاطعه من بضائع ونحن، قبل هذا وذاك، شعوب مستهلكة لا منتجة.

شعارات فضفاضة نرفعها، وأحاديث لا ترقى على مضغ الكلام نتبادلها، حتى قطع النفط بات أكذوبة نحاول تصديقها. لو أوقفنا ضخ النفط وتصديره حقا، فسنموت جوعا قبل أن يصل تأثير المقاطعة إلى الاخرين. ولو تراجع سعر النفط وقل دخلنا منه لتباطأت التنمية في بلادنا في ظل اقتصادياتنا الريعية، وربما توقف عجلتها. نعم، تم قطع النفط في السابق، لكن سعره كان، آنذاك، يتجاوز الخمسين دولارا، أما الآن، فقد بلغ سعر برميل النفط 18 دولارا، فيما تلامس اوضاعنا حافة الخطر. ومن دون الانغماس فى مقارنات تتعلق بسقوف اسعار براميل النفط، مقارنة بالصادرات المحورية للدول الأخرى، اود الخروج من عنق زجاجة تحميل الاقتصاديات الخليجية اكثر مما تحتمل عبر الاستفسار عن سبب تفصيل ثوب المقاطعة والحلول على مقاس الثوب الخليجي بشكل خاص، بمعنى اوسع لماذا لا نسمع او نقرأ على سبيل المثال عن مطالبات بوقف تصدير سلع اخرى تنتجها بلدان عربية اخرى.

***** آآآآه يا أمتي... حولتني من كاتبة وجدانية كانت تكتب بأغصان الورود، وترش الكلام برحيق الزهور، الى كاتبة تكابد وتحايل الألم السياسي وتجهر بالحقيقة بدون حسابات مسبقة لأرباح او خسائر أو حتى خوف من مقص رقيب. لم أعد أعرف كيف أخفي خجلي من التاريخ، وما سيسطره عنا. لم اعد أعرف كيف أغطي وجهي من سيبويه، ورجالات مجمع اللغة العربية بعد أن كان السيف والرمح والدروع ذكورا، وصارت أدوات الحرب، من دبابة وطائرة وقذيفة، في زماننا هذا، مؤنثا ساكنا مثل حروفها الاخيرة.

******** هاأنذا أعود الى الكتابة الأدبية فى اصعب الأوقات، واكثر اللحظات قسوة في حياة الفلسطينيين، اطلِّق قيس وجميل، وارثي لحال ليلى وبثينة، اشق طريقي في بحور التناقضات بين قذائف حالنا المشتت بين فضاء وفضاء في حرب الكلام التي تحاصرنا، فلا نفهم، ليلى، او بثينة، او ما يجرى على الساحات! فمن يحترف الكتابة السياسية هذه الأيام، رجل انتحاري، وضع روحه على راحته. [email protected]