الأطفال المقاتلون

TT

من المآسي العديدة التي يواجهها العالم اليوم الحروب الاهلية والنزاعات الاقليمية، خاصة تلك التي يستخدم فيها الاطفال كجنود مقاتلين، وهذا هو أسوأ استغلال وسوء معاملة عرفه إنسان اليوم.

آخر تقديرات الأمم المتحدة تقول ان هناك حالياً في العالم نحو 300 ألف طفل يخدمون كجنود في افريقيا مثل جنوب السودان والكونغو كما في سري لانكا وأوغندا وليبيريا وغيرها.

ولا تنتهي مأساة هؤلاء مع تسريحهم من الخدمة العسكرية، إذ ان الجنود قد يعودون بسهولة الى الحياة المدنية ويذوبون فيها. لكن الاطفال المجندين لا يستطيعون ذلك، لأن معظمهم سلخوا من عائلاتهم في سن مبكرة من دون أن يتمكنوا من التعرف اليهم ثانية، وبالتالي فهم يعودون للحياة المدنية من دون أي تعليم، أو مهنة تذكر سوى لغة السلاح وثقافة القتل والتدمير.

إن لجوء اغلب الفئات المتناحرة الى تجنيد الاطفال سببه سهولة السيطرة عليهم وتدريبهم، خاصة ان استخدام الاسلحة الحديثة لا يتطلب اي قوة بدنية، كما كان الحال في الماضي مع السلاح الابيض، كالسيوف والرماح. فبمقدور اي طفل استخدام الاسلحة الاتوماتيكية الفردية والرشاشات الثقيلة بسهولة مطلقة، بل ان العديد منهم يستخدم راجمات الصواريخ التي تطلق من الكتف بمهارة فائقة. ثم ان مثل هؤلاء الاطفال لا يكلفون مجنديهم شيئا سوى كسرة من الخبز، أو بعض الارز الذي يقدم اليهم يومياً على شكل وجبات طعام.

لقد شهدت السنوات الأخيرة توسعاً في الحروب الاهلية والعرقية، مما زاد في عدد هؤلاء المقاتلين، لا سيما في افريقيا، كما ان سهولة الحصول على الاسلحة الخفيفة من العصابات والمافيات التي تتاجر بها في السوق السوداء أدى الى نشوء العديد من لوردات الحرب والجماعات الارهابية التي تشجع على تجنيد مثل هؤلاء بخطفهم من أهلهم، أو بالتهديد والوعيد، مما زاد في عدد الضحايا من المدنيين، لأن المجندين الصغار السن لا يحسبون اي حساب للمسؤولية، أو العواقب الخطيرة التي تترتب على أعمالهم التي غالبا ما يرتكبونها تحت وطأة المخدرات، أو باغرائهم بمكافآت جنسية.

فوفقاً لآخر الاحصاءات، فإن الاسلحة الخفيفة ذات التقنيات البسيطة التي يجيد المجندون الصغار استخدامها مسؤولة عن 90 في المائة من عدد الضحايا المدنيين والنزاعات المحلية في العقد الحالي منذ ايام الحرب الباردة.

من هنا فإن الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي أطلق أخيراً سراح أكثر من 3500 مجند صغير التحق معظمهم بأهاليهم ما زال يواصل تجنيد المزيد منهم وهو يحتفظ حاليا بـ 5000 منهم تحت السلاح.

صحيح ان بعض هؤلاء انضم الى حرب العصابات بحثاً عن المأوى والطعام، لكن غالبيتهم ارغموا على ذلك اما بالخطف، أو بعد القضاء على اهاليهم وذويهم حتى لا يبقى لهم أي معين سوى هذه العصابات. والأبشع من ذلك، أن بعضهم أُرغم تحت تأثير المخدرات على قتل عائلاتهم بأنفسهم مما يجعل ضميرهم بعد ذلك مثقلاً بالإثم.

إن الأمم المتحدة تعمل الآن بجد ودأب على حل هذه المشكلة خشية تفاقمها من جديد بعدما كانت منتشرة في الكثير من الاقطار الآسيوية كافغانستان ولاوس وفيتنام وكمبوديا وغيرها.