في جيبه حل نهائي

TT

اذا سألت لبنانيا، كيف الحال، اجاب في الغالب «عايشين». وهذه كلمة تعني انه ليس «عائشا» على الاطلاق. وبعضهم يجيب «عايش من قلة الموت». وهذه تعني انه مدين وانه لم يدفع سندات الشهر الماضي وانه غير قادر على دعوة احد على العشاء ذلك المساء. وقد انتدب الفرنسيون على لبنان عشرين عاما فقط لكن سبحان الله الذي يخلق من الشبه اربعين. واوجه الشبه بين الطبع اللبناني والطبع الفرنسي، توازي الشبه بين الانهر او بين خلجان المتوسط. وانى تلفت في فرنسا اشعر باغراء المقارنة، بين ما هنا وما هناك. واطرح على الفرنسيين بصورة عفوية تلك التحية الكونية «كيف الحال؟». والقى جوابات مختلفة ليس بينها واحد يعني الشكر. والجواب الشائع هو on se de"fend، اي «ندافع عن انفسنا». لكنك لا تعرف ابدا ضد مَن من الاعداء او ضد ماذا من الغوائل والصروف. والحقيقة انني اشعر باحراج شديد عند سماع مثل هذا الجواب، فأنا غير قادر على النجدة او المساعدة، وبالكاد انهض بمسؤولياتي.

منتصف القرن الثامن عشر كتب امرسون الى توماس كارلايل رسالة من الولايات المتحدة يقول له «كل رجل تلتقيه هنا يحمل في جيبه مشروعا لاصلاح العالم». وخطأ المستر امرسون واضح. انه لم يقم بزيارة فرنسا من قبل، ولا طبعا مرّ بلبنان. وذات مرة طرح عليّ الرئيس الراحل الياس سركيس سؤالا حول موضوع ما. واذ بدأت اجيب استمهلني قليلا ثم امسك بقلم رصاص واخذ يدون. وقلت له، فخامة الرئيس، انت اول لبناني لا يقول «ولو؟ خذها من الذقن» كل صديق او رجل التقيه اراه يحمل الحل النهائي للقضية الفلسطينية. ومعظم الذين التقيهم يطلعونني (بيني وبينك) على محاضر اجتماعات جورج بوش. وعندما «ولعت» قضية مونيكا لوينسكي، كان كثيرون يهمسون في اذني: «روق! بعد ما خلصت». اما سبب الهمس فهو الخوف من ان تكون السي. آي. ايه في معرض تسجيل محضر عن هذه الاسرار.

والآن في فرنسا، اقرأ في الصحف واسمع على التلفزيونات، و«يطلعني» نوادل المطاعم على مشروع الحل النهائي الجديد، واضطر، مرة اخرى الى الاستعانة بزميلي جورج قرداحي: «اكيد حل نهائي»؟

ويؤكد لي الجميع انه كذلك فاشعر بالارتياح. واحيانا اقارن بين تفاصيل المشروع الذي اطلعت عليه في بيروت وبين صيغة المشروع وفقا للفرنسيين، فأرى تطابقا مذهلا، واشعر بالمزيد من الارتياح.

لو كنت املك الوقت لجلست عند حافة السين، كما كنت افعل شابا، ورحت احصي مواضع الشبه، بيننا وبين اصدقائنا الفرنسيين. انهم الامة الوحيدة التي لا تزال «تدخن» وطبعا بعد الامة العربية والوطن العربي الكبير. وخلال اقامتنا في دبي دعانا احد الزملاء الاعزاء الى ان نكمل السهرة في شقته. وكان هناك نحو 20 ضيفا واربعين علبة سجائر (لايت) واربعة كوهيبا. ودخنت تلك السهرة اكثر مما دخنت في حياتي في اي يوم واحد، حتى عندما كنت احرق مائة لفافة في اليوم القصير! وقد تذكرت «اليوم القصير» لانني سمعت الرئيس حسين الحسيني يعلق على كلام لاحد السياسيين فقال: «لقد ناقض نفسه ثلاث مرات في الجملة القصيرة». وقت له، وماذا عن الجملة الطويلة، فأجاب «لا ادري. لم استطع اللحاق به».