النفط يعود إلى الواجهة مجددا

TT

قرار العراق العودة الى استئناف تصدير نفطه بعد انقطاع دام شهرا يعيد موضع النفط الى الواجهة مرة اخرى، وبصورة مختلفة: اي بالتركيز على جانبي النمو في الطلب والعمل على تلبيته وكيفية استخدام النفط بصورة ايجابية سياسيا واقتصاديا.

ادارة معلومات الطاقة الامريكية حذرت يوم الاثنين الماضي في تقريرها الشهري عن التوقعات القصيرة الامد حول وضع الطلب والامدادات. ان الاسعار بالنسبة لخام «ويست تكساس» الامريكي يمكن ان تتجاوز 30 دولارا للبرميل العام المقبل ما لم تقم دول اوبك بزيادة سقفها الانتاجي في النصف الثاني من هذا العام.

وفي تقديرها فان الطلب يتوقع له ان ينمو بمعدل نصف مليون برميل يوميا فقط هذا العام، بينما يصل الى 1.3 مليون العام المقبل، وان ما يقارب نصف هذه الزيادة او 640 الف برميل يوميا ستأتي من الولايات المتحدة وحدها بسبب الانتعاش الاقتصادي الذي يستجمع قواه. وبسبب هذا النمو، فان الطلب المحلي على النفط في الولايات المتحدة سيتجاوز ولاول مرة في التاريخ 20 مليون برميل يوميا (20.26 مليون تحديدا).

فمنذ العام 1960، عند تأسيس منظمة اوبك، كان حجم الطلب الامريكي على النفط 9.8 مليون برميل يوميا استمرت في التصاعد الى ان بلغت قمتها وهي 18.85 مليونا في العام 1978، ثم بدأت في التراجع حتى العام 1986 عندما بدات في الارتفاع مرة اخرى، حيث بلغ الطلب وقتها 16.82 مليون تزيد سنويا وهي مرشحة لتجاوز حاجز 20 مليون برميل العام المقبل.

وفي المقابل فان الامدادات من الانتاج المحلي لا تزيد بنفس المعدل، اذ استقرت في حدود 89، 5 ملايين برميل يوميا هذا العام وسترتفع الى 93، 5 ملايينا العام 2003، الامر الذي يتطلب اللجوء الى الامدادات من منتجين اجانب لسد الفجوة.

ولهذا تحث واشنطون اوبك على مراجعة قراراتها خفض الانتاج التي ازالت من السوق في خلال عام نحو خمسة ملايين برميل يوميا.على انه في الوقت الذي تبرز فيه اوبك قوة امداد رئيسية مع تراجع الامدادات بصورة عامة من خارج اوبك، فان دولة منتجة غير اوبك، هي روسيا، تتعضد مكانتها في السوق النفطية يوما بعد يوم، بل وتسعى جهدها للعب دور المنتج المرجح في السوق لكن في جانب الامدادات فقط.

في مطلع هذا الاسبوع اختتم وزراء الطاقة في الدول الثماني الكبرى اجتماعات في مدينة ديترويت حيث توصلوا الى تشكيل مجموعة تشاورية من الدول الاربع المنتجة للنفط وهي الولايات المتحدة، بريطانيا، كندا وروسيا تقوم بدرس حال السوق وابقاء الاتصالات مع الاربع الاخرى المستهلكة للنفط وهي اليابان، فرنسا، المانيا وايطاليا. وفي ذلك الاجتماع تعهد وزير الطاقة الروسي ايغور يوسوتوف بضمان الامدادات النفطية للاقتصادات الرئيسية في العالم خاصة في مجموعة الثماني.

روسيا بهذا الموقف تعمل لتوفير بديل للمستهلكين الى جانب منظمة اوبك او بعض الدول الرئيسية مثل السعودية، وهي مكانة حازت عليها بعد الاصلاحات الكبيرة التي قامت بها في قطاعها النفطي وعكست حالة التردي التي كان يعيشها باستمرار الى نمو متصل، الامر الذي جعلها لاعبا اساسيا في السوق بعد تبوأها مرتبة ثاني مصدر للنفط الخام في العالم بعد السعودية.

فاتفاق اوبك الاخير الذي بدأ العمل به في مطلع هذا العام والقاضي خفض الانتاج مليون ونصف المليون برميل يوميا، ما كان له ان يتم لولا موافقة روسيا على خفض انتاجها بمقدار 150 الف برميل يوميا ولتنضم بذلك الى جهود النرويج والمكسيك من كبار المنتجين خارج اوبك.

على ان امكانيات روسيا النفطية تتجاوز احتياطياتها الخاصة الى المشروعات الاجنبية التي تشارك فيها خاصة في ايران والعراق، وكلا البلدين، خاصة العراق، يعيش حالة من الحصار تجعله اكثر اعتمادا على السند الدبلوماسي الروسي. ففي اواخر هذا الشهر ينبغي لمجلس الامن ان يتخذ قرارا بخصوص التمديد لبرنامج النفط مقابل الغذاء. الولايات المتحدة وبريطانيا لا تزال اعينهما على هدف الاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين، او تشديد الخناق عليه عبر ما يعرف بالعقوبات الذكية، التي تستهدف قطع او تقليل العائدات المالية التي يحصل عليها النظام خارج رقابة الامم المتحدة. لكن كما حدث في السابق، فان استصدار قرار مثل هذا يتطلب موافقة وتعاون روسيا، التي ابدت حتى الآن تمنعا.

لروسيا في العراق حاليا حوالي 67 مشروعا في مجالي النفط والغاز تقدر تكلفتها الاجمالية بنحو 40 مليار دولار. وموسكو الطامحة الى لعب دور اكبر في السوق النفطية، ستضغط بشدة في سبيل ايجاد وسيلة لرفع العقوبات عن العراق حتى تستطيع المضي قدما في مشروعاتها هذه. وربما تتفق معها واشنطون ولندن في هذه الرغبة وذلك لتحقيق الهدف الاستراتيجي بتقليل الاعتماد على النفط الذي يسيطر العرب على القرار فيه. فوجود روسيا في هذه المشاريع يعطيها حق المشاركة في الكيفية التي يدار بها انتاج هذه المشاريع.

ومن هذا الاحتمال يمكن النظر الى الانتقاد الروسي لقرار بغداد تعليق صادراتها لفترة شهر. فوقف الصادرات يعني شيئا اساسيا وهو الاحتمال الكبير بتضييق فرص التسويق ان لم يكن تراجعها كلية. فالسوق لا تنتظر احدا. فالزبون الذي لا يجد نوعا معينا من السلع التي يشتريها امامه سيذهب الى غيرها. يصدق ذلك على برميل النفط كما يصدق على الصحف السيارة، الامر الذي يعني في النهاية فقدان او تقليص السوق لصالح منافسين آخرين. ومن هذه الزاوية يمكن النظر ايضا الى القرار العراقي استئناف التصدير مرة اخرى. ولو كان الامر يتعلق بالعودة لأن بقية المنتجين العرب لم يوقفوا صادراتهم النفطية لتمت قراءة الموقف بصورة دقيقة ادت الى نتيجة مختلفة، فالمواقف العربية في هذا الموضوع واضحة ومعلنة ولا تحتاج حتى الى تشاورات عبر الهاتف لاستجلائها.

تبقى العقدة الاساسية في هذا كله وضع الرئيس العراقي صدام حسين وهل تسعى واشنطون ولندن الى الاطاحة به بأي ثمن تسديدا لحسابات قديمة متجددة، ام اخذ العرض العراقي الذي قدمه في مطلع حرب الخليج بضمان المصالح الامريكية خاصة النفطية في الاعتبار.

الفارق يتمثل هذه المرة في اختلاف الدور الروسي والى اي مدى يمكن لواشنطون ان تجعل من موسكو المتصرف الرئيسي في العراق مقابل ضمانات نفطية تؤمن على الامدادات لصالح المستهلكين وتضعف من الدور العربي المستقل.