واشنطن تدمج اتفاقات طابا بالمبادرة السعودية والمؤتمر الدولي سيتبنى نظاما برلمانيا فلسطينيا

TT

لن تقدم او تؤخر، الوثائق التي حملها رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون معه الى واشنطن، وكذلك الحال بالنسبة الى النفي الفلسطيني لا سيما بان رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات امر فقط بمبلغ 600 دولار الى رعد الكرمي، احد قادة شهداء الاقصى! هذه الامور، من اتهامات ورد عليها بالفبركة، غير مهمة طالما ان الادارة الاميركية ما زالت تعترف بعرفات رئيسا للسلطة الفلسطينية، عليه مسؤوليات يجب ان يلتزم بها، وهذا حسب الاعتقاد ما تتطلع اليه القيادة الفلسطينية.

ثم ان شارون يعيش في عالم خاص به بعيد عن الواقع، فهو قال في الطائرة التي اقلته الى واشنطن، ان العمليات الاسرائيلية سببت صدمة عميقة للجيل الفلسطيني الشاب «الذي صار يدرك انه لن يستطيع مواجهة اسرائيل»! الغريب في هذا ليس تصريحات شارون، او عالمه، بل الكثير من المسؤولين الاسرائيليين الشباب الذين صاروا يرددون ما يردده: «ان عرفات لا يمكنه ان يكون شريكا في السلام»! هذه البروباغندا الاسرائيلية تغامر بالمستقبل والسلام والاستقرار، ثم انها تأتي بنتائج عكسية، وقد رأينا عرفات يخرج من مقره في رام الله رافعا علامة النصر! النصر على ماذا؟ لا نعرف. ربما لانه لم يزر مخيم جنين بعد ولم ير الدمار الذي لحق بالمدن الفلسطينية، وهو دليل لا يرحم على ان الاحتلال الاسرائيلي زائداً قيادة فلسطينية قصيرة النظر اوصلا الى تشريد جديد للشعب الفلسطيني داخل مناطق السلطة الفلسطينية. على كل، ان ملف الوثائق الذي حمله شارون معه ازعج مسؤولي الادارة الاميركية وحاولت مستشارة الامن القومي الاميركي كوندوليزا رايس ان تخفف من عدم ارتباط شارون بالواقع، فقالت ان الفرصة مهمة جدا للقاء مع رئيس الوزراء الاسرائيلي «فهناك الكثير الذي سنتكلم حوله، لان احداثا كثيرة وقعت في الاسابيع الماضية، وانها لفرصة ان يناقش الرئيس بوش ورئيس الوزراء افكارا حول المستقبل»! لقد رغبت واشنطن في ان تتمحور زيارة شارون حول مؤتمر السلام الذي تريد عقده وليس حول لعبة الاتهامات المتبادلة، وقد اوضح وزير الخارجية الاميركي كولن باول للاسرائيليين ما تتطلع اليه واشنطن: «نريد ان نستمع من رئيس الوزراء الى تقديراته للاوضاع في المنطقة (...) وهو كان اكد التزامه بعملية السلام وبايجاد دولة فلسطينية تعيش جنبا الى جنب مع اسرائيل»! الكل ربما يعرف الطريقة التي يسير فيها شارون، وكيف تبتعد قدماه عن بعضهما وهو يخطو بخطوات شرهة، جارفة كل خضار ويباس ايضا، وقد غلبت طريقة مشيته هذه مع وصوله الى واشنطن مؤكدا انه يعرف ان الكونغرس الاميركي يدعمه، فالاسبوع الماضي قرر مجلس الشيوخ دعمه بنسبة 94 صوتا مقابل صوتين، حيث انتقد عدد من اعضاء الكونغرس دعوة الرئيس بوش لشارون بالانسحاب من الضفة الغربية، وقد عبر السناتور الديمقراطي جون ادوار من نوث كارولينا عما يفكر به اغلب الشيوخ: «اعتقد انه من الخطأ ان نطلب، وعلينا ان نتحدث مع رئيس الوزراء (شارون)، اذ تربطنا علاقة قديمة ومهمة مع اسرائيل (...) اننا نطلب من اسرائيل ان تتوقف في حين اننا عندما تعرضنا للهجوم، ذهبنا الى اقصى العالم للاقتصاص من المسؤولين عن الهجوم. لذلك انا لا اتفق مع ما طلبه الرئيس بوش»! لكن، رغم «الصداقة المطلقة»، يبدو، كما يقول مصدر اميركي مطلع، ان الرئيس بوش غير مرتاح لتصرفات شارون، وبالتالي فهو ليس الزائر المنتظر بفارغ الصبر في البيت الابيض، وقد لا تحقق اجتماعاته اي تقدم خصوصا ان شارون، رغم استعراضاته الخطواتية، يتخوف من اجتماع اللجنة المركزية لليكود الذي سيعقد يوم الاحد المقبل ليناقش اقتراحا بمعارضة اقامة الدولة الفلسطينية! ولاحظ المراقبون ان شارون ضم الى وفده وزراء اليمين المتطرف واستبعد كل وزراء حزب العمل لادراكه بان العمل لا يشكل خطرا عليه. وحسب المصدر الاميركي المطلع، فان واشنطن لا تتوقف عند اعتبارات شارون الداخلية، فهي لا تتفق معه بعدم التعامل مع عرفات وانتظار زعيم فلسطيني جديد «فهذا هو الموجود»، وبالتالي على شارون تحقيق السلام مع اعدائه وليس مع الذين يحبهم، «هذا هو خط الادارة الاميركية». وكان المسؤولون في الخارجية الاميركية قرروا قبل وصول شارون بان شروطه غير مقبولة ولا تحمّس الى عقد مؤتمر دولي، فعملية اعادة بناء الثقة، وعدم التزام مطلق بما سيحصل في نهاية هذه العملية، لن تخدع احدا وبالتالي لن تجذب اي دولة عربية للمشاركة في مؤتمر السلام.

وكان المسؤولون في الخارجية الاميركية، من جهة اخرى، بصدد مناقشة الهدف الذي سيدفعون نحوه، ورأوا انه اذا كان لا بد من انعقاد مؤتمر دولي فيجب ان يحدد بوضوح هدف اقامة دولة فلسطينية وتناقش على اساس ما تم التوصل اليه في طابا، «حتى ولو لم تُذكر كلمة طابا، وقد يتم استعمال البنود التي وردت في المبادرة السعودية، بمعنى اننا نقدم لاسرائيل سلاما من العالم العربي ككل مقابل ان تنسحب من الضفة الغربية وقطاع غزة ومدينة القدس الشرقية»، كما قال المصدر الاميركي، واضاف «ان هذا لا يعني التوصل فورا الى الوضع النهائي، بل ستكون العملية مرحلية، انما لن تكون عملية لا نهاية لها بل محدودة، والاوضح فيها ان تنسحب اسرائيل من الضفة الغربية»، ويضيف: «يجب ان يكون الاتفاق بحصول الفلسطينيين على نسبة 100% من الاراضي، انما ليس بالضرورة ان تكون مساحة هذه النسبة العودة تماما الى حدود 1967، اي يمكن للفلسطينيين التفاوض للحصول بالمقابل على اراض اخرى، اي قد يكون الانسحاب من %97 من الضفة الغربية وما تبقى يكون بحصول الفلسطينيين على اراض اخرى».

ويقول المصدر الاميركي، انه لن تكون هناك عودة للاجئين حسب ما يطرحه الجانب الفلسطيني، فهذا الطرح لا يشجع هو الآخر لعقد مؤتمر سلام دولي و«عليهم ان يقبلوا بمعادلة رمزية، وفي الواقع سيذهب اللاجئون الى دول اخرى». اما بالنسبة الى القدس فالحل كما تم التوصل اليه في طابا «اي، ان المناطق التي يعيش فيها الاسرائيليون في القدس الشرقية ستكون جزءا من اسرائيل وحيث يعيش الفلسطينيون سيكون جزءا من الدولة الفلسطينية، اما حائط المبكى فسيكون لاسرائيل في حين سيكون المسجد الاقصى تحت السيادة الفلسطينية، اي، تماما ما اتفق عليه الفلسطينيون واسرائيل في طابا، وسيكون هناك اتفاق بحيث لا يحق للفلسطينيين التنقيب تحت المسجد من دون موافقة اسرائيلية حتمية، وستكون هناك مراقبة دولية للتأكد بعدم خرق الاتفاق».

ويؤكد المصدر الاميركي ان واشنطن تدرك ان اي طرح اقل من هذا لن تقبل به الدول العربية وكذلك الفلسطينيون، ويضيف ان لا خيار امام واشنطن الا ان تقدم لعرفات فرصة اخرى كي لا يستمر العنف. ويؤكد المصدر ان جهودا جدية تقوم بها اميركا والدول الاوروبية لدفع السلطة الفلسطينية لاجراء اصلاحات جذرية، وتدرس الادارة التقرير الذي اعده مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك قبل عدة سنوات حول المؤسسات الفلسطينية، وستصر واشنطن على اعادة بناء جهاز امني فلسطيني واحد، وليس ستة او سبعة اجهزة وستراقبه الولايات المتحدة، ويجري الحديث في واشنطن حول الدستور المقترح الذي تبناه المجلس التشريعي الفلسطيني سابقا، ويمكن ان يُطرح هذا في المؤتمر الدولي بحيث ينشأ عنه نظام برلماني بديل للنظام الرئاسي القائم حاليا في السلطة الفلسطينية، فيكون هناك رئيس الا ان السيطرة على الحكومة تكون لرئيس الوزراء، وبالتالي يبقى عرفات رئيسا رمزيا.

وتعرف واشنطن ان الدول العربية لن توافق على اي مؤتمر دولي آخر للسلام الا اذا كان الهدف واضحا، فاذا لم يُحدد هدف، يريحهم، كاقامة دولة فلسطينية وضمن توقيت معين، فان الدول العربية لن توافق على الحضور، وبانتظار تحقيق ذلك ترفض واشنطن فكرة ارسال قوات عسكرية لحفظ السلام، وهي مستعدة لارسال عدد محدود من المراقبين، وقد فعلت ذلك مع بريطانيا، لمراقبة السجناء. ويقول المصدر ان الولايات المتحدة ساومت بهذه الخطوة على موقفها الرافض ارسال قوات، وقد تكون هذه بداية لارسال مراقبين، لاحقا، لمراقبة التزام السلطة الفلسطينية بتطبيق الاصلاحات والتعامل بشفافية وديمقراطية وايضا احترام حرية التعبير وحقوق الانسان. وهذا ما نادى به الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش.

المشكلة الآن، ان بعض اعضاء القيادة الفلسطينية، ربما لتخوفهم من اجراء اصلاحات جذرية، قد يرفضون اي مبادرة لاحلال السلام، وهنا يبرز دور ياسر عرفات كرجل دولة اخيرا!