كراهية إسرائيل ليست عداء للسامية

TT

لو لم اكن يهوديا فربما اتهم بمعاداة السامية، إذ انني وجهت من وقت لآخر انتقادات الى اسرائيل، وانحزت في مرات اخرى للموقف الفلسطيني، وقد ناديت على الدوام بان الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة خطأ. ولا تعتبر مثل هذه المواقف مثيرة للعجب حتى في اسرائيل ذاتها، فثمة اشخاص يحملون اراء مثلها وهم اعضاء في الكنيست، ومع ان هؤلاء توجه اليهم في بعض الاحيان انتقادات عنيفة وقاسية، فان احدا لا يقول عنهم انهم معادون للسامية.

ولكنني لا استطيع ان اقول الشيء نفسه عن اميركا. فهنا تحدث مماهاة كاملة بين معارضة اسرائيل، وخاصة معاداة الصهيونية، وبين معاداة السامية. وتتميز رابطة مكافحة التشهير بالصراحة الكاملة وهي تعبر عن هذه الحقيقة. تقول هذه المنظمة في اعلان يحتل صفحة كاملة، نشر في مجلة «نيو ريبَبلِك» وفي مجلات اخرى: «كشفت معاداة الصهيونية عن وجهها الحقيقي باعتبارها معاداة عميقة للسامية». الواقع ان معاداة الصهيونية لا تتطابق بالضرورة مع معاداة السامية. لو كنت فلسطينيا اعيش في احدى الخيام، فانني سأكره اسرائيل للمعاناة التي اعيشها، بصرف النظر عن سبب تلك المعاناة، وربما لا اشعر بالود نحو اليهود على وجه العموم. وعلى كل حال فان اسرائيل تسمي نفسها الدولة اليهودية. انها تحتفل بالمناسبات اليهودية، كما انها تعطي جنسيتها لكل من يدعي، ادعاء معقولا، انه يهودي. هذا الحق الذي يسمى «حق العودة» يسمح لشخص ما بـ «العودة» الى بلد لم تطأه قدماه من قبل مطلقا، ولا بد للفلسطينيين ان يجدوا هذا امرا مثيرا للدهشة.

الواقع ان المساواة بين المعادين للسامية وبين الذين ينتقدون اسرائيل يعني تشبيههم بالنازيين او بهيجانات الغوغاء اثناء المذابح الجماعية ضد اليهود. انها توحي بأن معارضتهم لاسرائيل ظاهرة غير عقلانية وغير مفهومة، وانها تستند الى نظرية عرقية مخبولة، او الى تعصب ديني شاذ، وهي بذلك ترفض كل معارضة وكل نقد، مهما كانت شرعيتهما، وتتعامل معهما كنوع من التحامل الذي لا اساس له ولا شرعية.

ليس من شك ان اوروبا شهدت تصاعدا في حالات معاداة السامية. ولكنها شهدت كذلك تصاعدا في النقد والمعارضة المشروعة لاسرائيل، مما لا يمكن وصفه بمعاداة السامية بأي حال من الاحوال. فعندما اعتقلت اسرائيل اخيرا اربعة من السويديين، اثنين منهم اطباء، ثم ابعدتهم بعد ذلك، استجابة لمفهوم مغلوط فحواه ان كل من يتعاطف مع الفلسطينيين يعتبر عدوا للدولة، فانها ارتكبت عملا يستحق الشجب والادانة. ولا يمكن اعتبار السويديين الذين شجبوا وادانوا ذلك العمل معادين للسامية. وعندما يحدث هذا الشيء نفسه لاطباء يابانيين، فانه يجب ايضا ان يُشجب وان يدان. وينطبق القول نفسه على اليهود الاميركيين. فتجاهل مطالب الفلسطينيين وادعاء الصمم ازاءها، وتشويههم انسانيا، وحشرهم في اطار التعصب الديني، سيؤدي الى مفاقمة مشاعر الكراهية على الجانبين.

ان الفلسطينيين لهم قضية، ما في ذلك ادنى شك. انهم شعب بلا وطن ولا دولة. وما دام هذا الوضع قائما، فان نضالهم سيكون مستمرا، والمخرج الوحيد هو ان يستمع كل طرف لما يقول الطرف الاخر. ان الاحتجاج على الاوضاع في الضفة الغربية لا يعني معاداة السامية. وادانة اقامة المزيد من المستوطنات في الاراضي الفلسطينية ليس معاداة للسامية. والاحتجاج على الصفعات التي توجهها اسرائيل في بعض الاحيان لوسائل الاعلام الغربية ليس معاداة للسامية ايضا. كما ان الايحاء بأن ارييل شارون من اولئك الذين يهينون الفلسطينيين ويستفزونهم، لا يمت بسبب لمعاداة السامية. انه نوع من النقد لا يمت بصلة للتعصب والعنصرية، مثله تماما مثل القول بأن ياسر عرفات لا يمكن الثقة به. وعندما اقول ذلك فانني لا اتحول الى شخص معاد للعرب. انني فقط شخص واقعي صار يشعر بالغثيان من هذه الوصفات التبسيطية.

* كاتب اميركي ـ خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»