هل انسحبت إسرائيل بقرار عراقي؟

TT

لم تكف اسرائيل عن ارتكاب المزيد من المجازر في المخيمات الفلسطينية بعد مجزرة مخيم جنين لأن الحكومة العراقية اوقفت حصة برنامج «النفط مقابل الغذاء» من صادراتها النفطية.

ولم تفك اسرائيل الحصار الذي فرضته على مقر الرئاسة الفلسطينية وكنيسة المهد للسبب ذاته.. ولم تنسحب من جنين ورام الله وبيت لحم للسبب عينه.

فالقرار الاسرائيلي يعود في 95 بالمئة منه الى ان حكومة شارون حققت الاهداف الرئيسية لحملتها (الـ5 بالمئة الباقية ترجع الى الضغوط الدولية).. اما وقف صادرات «النفط مقابل الغذاء» فقد انتهى منذ ايام مثلما بدأ قبل شهر من دون أي تأثير، وكأنه لم يكن.

نعم حققت اسرائىل ما تريد من حملتها وخسر الشعب العراقي نحو مليار و500 مليون دولار، هي صافي ما كان سيعود عليه من اموال صادرات شهر كامل من بترول «النفط مقابل الغذاء».

تخيّلوا كميات الاغذية والادوية التي كان سيوفرها هذا المبلغ الهائل.. تخيلوا عدد المستشفيات والمدارس ومصانع الاغذية والالبسة التي كانت ستُبنى بهذا المبلغ الهائل.. تخيّلوا مساحات الاراضي التي كانت ستُستصلح بهذاالمبلغ الهائل.. تخيّلوا عدد مؤسسات الماء والكهرباء والري والنقل التي كانت ستقام بهذا المبلغ الهائل! الشعب العراقي خسر هذا كله ولم تتضرر اسرائيل ولا الولايات المتحدة ـ ولو بما يعادل في قيمته سنتا واحدا ـ من القرار العراقي الذي سنجانب الحقيقة اذا قلنا انه كان ـ شأن الكثير من القرارات العربية ـ متعجلا وغير مدروس.

بغداد فكرت في قرارها طويلا واعلنت عنه في اللحظة المناسبة.. لها بالطبع. اعلنت عنه في ذروة ازمة الاجتياح الاسرائيلي الى مناطق السلطة الفلسطينية وبعدما تأكدت ان احدا غيرها لن يوقف صادراته النفطية، وانها بالتالي ستكون «بطلة الساحة والميدان»، حسب التعبير العراقي..

ولم تكن الحكومة العراقية ـ ولن تكون ـ جادة فى استخدام سلاح النفط. ولو كانت كذلك لأدركت ان هذا السلاح لا تستخدمه دولة واحدة بمفردها ولا بضع دول ايضا.. ولو كانت ربع جادة لأوقفت كل صادراتها النفطية وليست فقط حصة برنامج «النفط مقابل الغذاء».

بغداد لم توقف صادراتها الشرعية الى الأردن.. ولم توقف صادراتها غير الشرعية الى الأردن ايضا وسورية وتركيا والى شركات خليجية، لأن عائدات هذه الصادرات تدخل في جيب الحكومة مباشرة (الصادرات غير الشرعية تدخل في جيوب اشخاص محددين في قمة السلطة في بغداد).. اما صادرات «النفط مقابل الغذاء» فتذهب عوائدها الى حساب باسم الأمم المتحدة في باريس ولا تنفق الا على الاغذية والادوية والسلع والخدمات الاساسية الاخرى.. بغداد اوقفت تصدير نفط الشعب وابقت على نفط الحكومة يتدفق بقوة! كان هدف حكومة بغداد استعراضيا وانتهازيا.. والانتهازية السياسية والاستعراض الفارغ للعضلات والشعارات الصاخبة الجوفاء كانت ولم تزل من اهم اسباب هزيمة هذه الأمة وتخلفها.. ويتعين ـ بعد كل ما جرى في الماضي ويجري الآن ـ ان تشب هذه الأمة على الطوق فتكف عن تصديق الكذابين.

[email protected]