لكي نصبح عربا!

TT

كان فرانسوا ميتران يقول ان اوروبا لا تحتاج الى عملة موحدة بقدر حاجتها الى ثقافة موحدة.. وهذا ما يحاول جاك شيراك ان يفعله.. ولعل شيراك يحاول الدخول الى التاريخ من احد ابوابه فليس للتاريخ باب واحد.. فالزعامة لا تأتي فقط بشن الحروب، ولكن تأتي ايضا بالاعمال الكبيرة واهمها بالطبع الثقافة.

لقد كلف شيراك عددا من الباحثين لدراسة المناهج في المدارس الفرنسية وكم كانت دهشته ان لاحظ ان الادب الذي يدرس في المدارس من الصفوف الابتدائية الى الصف النهائي لا يضع في اعتباره ادباء اوروبا الكبار مثل دانتي الايطالي وشكسبير الانجليزي وجوته الالماني، وتقتصر دراسة الادب على دراسة راسين وكورني وفيكتور هوجو.. وطلب شيراك ان توضع مناهج جديدة لدراسة الادب تجمع بين ادباء وفلاسفة وشعراء فرنسا الكبار ونظرائهم من الاوروبيين.. ويسعى شيراك ان يطبق هذا المنهج في دول الاتحاد الاوروبي كلها.. فقد ادرك ان لا شيء يوحد الشعوب مثل الثقافة خاصة بعد ان تصايح مفكرو اوروبا محذرين من غزو الثقافة الامريكية التي تتسم بالسطحية والسرعة.

ونحن في العالم العربي في حاجة الى دعوة مماثلة.. فقد حاول العرب طوال تاريخهم، خاصة في القرن العشرين، توحيد البلاد العربية.. بالقوة احيانا.. وبالدعوة احيانا ولكن جميع التجارب الوحدوية فشلت.. وقد تم تبرير هذا الفشل بتباين المستوى الاقتصادي احيانا.. واحيانا اخرى بتباين نظم الحكم من حيث تطبيق مبادئ الديمقراطية او الشورى او الحكم المطلق.. وغير ذلك من الاسباب.

والواقع ان دعوة شيراك الى توحيد مفاهيم الدراسة في الدول الاوروبية هي الخطوة الحقيقية نحو توحيد اوروبا اكثر من توحيد العملة او زي جندي المرور.. وهذا ما يجب ان نفعله.. واذا اجتمع وزراء التعليم في البلاد العربية واتخذوا هذه الخطوة فسنكون في الطريق الى وحدة عربية تتوفر فيها عناصر التوحيد اكثر مما تتوفر في اوروبا.

ولعل جامعة الدول العربية اذا قامت بهذه الخطوة تكون قد انجزت شيئا يحسب لها.. فحسابها حتى الآن بلا رصيد.