موسم الحب والزواج

TT

طالما شغلني هذا السؤال.. لماذا اختار وزراء المالية في عموم العالم اوائل ابريل بداية للسنة المالية؟ لماذا لم يختاروا اول السنة الميلادية او الهجرية او يوم الكرسمس او اطول نهار او اقصر نهار في السنة مثلا؟ لماذا لم يختاروا يوم ميلاد اريال شارون بداية للسنة المالية؟ انه اصبح يتحكم بشؤون العالم ومن حقه ان يطالب بذلك. كلا، اختاروا الخامس من ابريل. مما يلفت النظر الى انهم لم يختاروا الأول من الشهر، وهو ما يمليه العقل والمنطق الحسابي ولكنهم تحاشوا ذلك لأنه يوم كذبة ابريل. ومن المعتاد لوزراء المالية ان يحشوا ميزانياتهم بما يكفي من الكذب ويجعل تقديمها في يوم الكذب لغوا لا مبرر له.

اعود الى سؤالي، لماذا اختاروا شهر ابريل بالذات لطرح الميزانية الجديدة؟ شهر ابريل هو بداية موسم الربيع، موسم الحب والزواج عند كل الأمم، بما فيها الطيور والحيوانات والنباتات. ويظهر ان وزراء المالية لاحظوا ذلك فقالوا لأنفسهم من باب التمني والأمل، لعل طرح الميزانية في هذا الموسم يشجع الدنانير والجنيهات والدولارات والليرات على التزاوج والتفريخ والتكاثر. عبثا نحاول ان نقنعهم بأن ذلك مجرد خرافة لن تحدث. لن تجد دينارا عراقيا معدما يتزوج بليرة تركية يتيمة ويخلف جنيها صغيرا ظريفا. هذا حلم من باب التمني، والتمني رأسمال المفلس، كما يقول الشاعر، ولكن جل وزارات المالية عندنا مفلسة على أي حال، وجل وزراء المالية يؤمنون بالخرافات، فهم دائما يقولون لنا ان الميزانية ستتوازن في آخر السنة. وتنتهي السنة ولا نسمع بأن أي دينار او جنيه قد باض وفرخ وانجب ما يكفي لتغطية العجز وتحسين سعر الصرف.

ولكنني بعد شيء من التأمل الحصيف، وهو شيء قلما يحدث عندي، وجدت المبرر الحقيقي لاختيار شهر ابريل موعدا للميزانية. فجل من يعمل في خزانة الدولة ودواوين المحاسبة العامة، يتزوجون في موسم الربيع، شأنهم شأن بقية عباد الله وما خلقه من حيوان ودواب. ولما كان اكثرهم يعانون من عبء الضرائب، فقد وجدوا ان من الأفضل لهم تأجيل الميزانية الى الربيع ليستفيدوا من فرق الضريبة بدلا من تأجيل زواجهم الى الصيف او الشتاء. هنا في بريطانيا، لا تقترب بداية السنة المالية الجديدة الا وترى الفنادق والمطاعم تغص بالأعراس، والكل يتطلعون الى وجه وزير الخزانة وما سيقوله اكثر مما يتطلع الى وجه عروسته او ما تقوله.

وهذا امر طريف في امر الزواج والطلاق. ففي حالة الزواج تجد الناس يخططون ويعبئون انفسهم وينظمون برامجهم ويحسنون توقيت اعراسهم، ولكنهم في احوال الطلاق تجدهم يغضون النظر عن كل هذه الاعتبارات، ويخوضون المعركة بكل حرية وشوق وبدون أي التفات لأي جوانب مالية. لم اسمع طيلة حياتي عن رجل طلق زوجته في شهر كذا أوكذا من اجل ضمان الحصول على الفروق المالية في الضريبة. وكله مما يدل على مدى اجلالنا لموضوع الطلاق فلا نتعامل معه كما نتعامل مع الزواج، كمجرد لعبة او نزوة او وسيلة مالية. وطالما كنا في هذا الموسم فلا بد لي من ان اكرس للموضوع يوما آخر، يوم غد، ما لم تطلقني زوجتي اثناء ذلك.