رفض استراتيجية المؤتمر الدولي

TT

تم بواشنطون في الايام القليلة الماضية لقاء وزراء خارجية الولايات المتحدة الامريكية كولن باول باعتبارها راعية السلام، وروسيا الاتحادية ايجور ايفانوف بصفتها زعيمة الكومنولث الروسي، واسبانيا جوزيف بيكيه بكونها الرئيسة الحالية لمنظمة الوحدة الاوروبية، وسكرتير عام الأمم المتحدة كوفي عنان بمهامها المعنية بقضية السلام العالمي، وتباحثوا داخل مبنى وزارة الخارجية الامريكية ساعات طويلة، واعلنوا اتفاقهم في البيان الختامي لهم بحتمية عقد مؤتمر دولي جديد للسلام في الشرق الأوسط تبدأ اعماله عندما يأتي الصيف في عامنا الحالي 2002، ووضعوا استراتيجية عمل للمؤتمر تدور حول محاور ثلاثة، تستهدف الوصول الى حلول وسطية بين الفلسطينيين وطموحاتهم وبين الاسرائيليين وتطلعاتهم.

المحور الاول: تحقيق الامن الاسرائيلي من خلال اعادة تشكيل الاجهزة الامنية الفلسطينية التي تقع عليها مسؤولية وقف اعمال العنف التي تخل بالامنين الاسرائيلي والفلسطيني.

المحور الثاني: التعهد من قبل الدول السبع الصناعية الكبرى التي تتمتع بقدرات مالية متميزة بتقديم العون الاقتصادي والمساعدات الانسانية للفلسطينيين حتى يتمكنوا من الاخذ باسباب الدخول في اقتصاديات السوق من بعد اقامة المؤسسات الديمقراطية في العمل السياسي.

المحور الثالث: الاعداد العملي لمفاوضات جديدة برؤية مشتركة للأهداف، لتأخذ المفاوضات السلمية مسارات جدية وتعمل بخطى سريعة في الاتجاه الصحيح من اجل التوصل الى تسوية النزاع الفلسطيني الاسرائيلي.

لا يغيب عن احد ان الاجتماع الرباعي في واشنطون الرامي الى عقد مؤتمر دولي جديد للسلام في الشرق الأوسط جنح الى المسار التنظيري لقضية الفلسطينيين الحالية، وابتعد كثيرا عن جادة الطريق العملي المؤدي الى السلام الحقيقي في الشرق الأوسط، واتضح هذا التوجه التنظيري من تأجيل انعقاد المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط الى الصيف القادم بدلا من البدء في اعماله فورا لحقن دماء الفلسطينيين الذين يواجهون الموت يوميا على يد العدوان الاسرائيلي، مما يفرض الريبة من هذا التأخير للمؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط لان هذا التأخير يستهدف اعطاء فسحة من الوقت لرئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون ليكمل مهمته في القضاء على طموحات الشعب الفلسطيني في الحرية والوطن المستقل عن طريق الوصول الى الامر الواقع فوق الارض، قبل البدء في التفاوض مع الفلسطينيين لالزامهم بحصر الحوار داخل اطر ما هو قائم فعلا، ليحقق تطلعاته بفرض اطماعه على الارض الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967.

يؤكد ما نذهب اليه من أدران التأخير على القضية الفلسطينية، المحاور الاستراتيجية الثلاثة للمؤتمر الدولي للسلام، التي اختارها وزراء الخارجية الثلاثة الامريكي والروسي والاسباني ورابعهم سكرتير عام الأمم المتحدة وكلها تدور في آفاق اقليمية تحت المظلة الدولية التي سيفرضها المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط، لخدمة المصالح الاسرائيلية بالنيل من الحقوق الفلسطينية، فالمحور الاستراتيجي الاول يسعى الى تحقيق الامن الاسرائيلي من خلال الاجهزة الامنية الفلسطينية المطلوب منها منع الكفاح الوطني ضد الاستعمار الاسرائيلي المؤيد بالشرعية الدولية، وبلغ بهم الغي الى الدرجة التي جعلتهم يحملون الاجهزة الامنية الفلسطينية مسؤولية الامنين الاسرائيلي والفلسطيني تارة بتحريم الكفاح الوطني الفلسطيني ضد اسرائيل وتارة باباحة العدوان الاسرائيلي على الفلسطينيين لانهم السبب فيه بلجوئهم الى العنف وممارستهم للارهاب ضد الاسرائيليين الذين يحق لهم الدفاع عن انفسهم، وبهذا الفهم الامني الذي يحدد بشكل مسبق المذنب الفلسطيني والبريء الاسرائيلي استنادا الى الهوى الامريكي الذي يقلب الحقائق بجعل الحق باطلا والباطل حقا، يتعذر الحوار الموضوعي تحت هذا المحور الاستراتيجي حول الامن بدلالاته العملية في كل من اسرائيل وفلسطين.

يذكرنا المحور الاستراتيجي الثاني الذي توصل اليه المجتمعون الاربعة في واشنطون بتقديم العون الاقتصادي والمساعدات الانسانية للفلسطينيين من قبل الدول السبع الكبرى، بالوعود والتعهدات التي قدمت لاخر رؤوساء الاتحاد السوفيتي ميخائيل جورباتشوف بالعون الاقتصادي والمساعدات الانسانية اذا طبق نظريته المنادية بالاصلاح واعادة البناء على ارض الواقع، وفتح الابواب على مصراعيها لموسكو لتدخل اقتصاديات السوق، فلما قضى ميخائيل جورباتشوف على الفكر الشيوعي وترتب عليه انهيار الاتحاد السوفيتي نكثت الدول السبع الصناعية الكبرى بوعودها وتعهداتها، وجعلت روسيا في مهب الريح تعاني الامرين من اوضاع الفاقة والعوز تفوق في سوئها الحياة الشيوعية التي كانوا يعيشون فيها، ولم يستجد في معادلات المصالح الدولية ما يمنع تكرار نكث الوعود والتعهد في الغد التي يلوحون بها اليوم، فيقع على الفلسطينيين اجحاف يماثل الاجحاف الذي وقع على الروس، فتفرض عليهم المعاناة من اوضاع اسوأ من العدوان الاسرائيلي الحالي عليهم بعد اغتيال امانيهم في الحرية والدولة المستقلة ويحصرون داخل قطاع غزة تحت مظلة الحكم الذاتي، وتغلق في وجوهم ابواب الدخول الى اقتصاديات السوق، مما يجعل من هذا المحور الاستراتيجي للحوار في داخل المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط «ضحك على الذقون» لا بد ان يتنبه له الفلسطينيون قبل ان يتورطوا في القبول بهذا المؤتمر الدولي في اعماله بالحوار المشبوه الذي يحقق نتائج مزورة، والدخول في النقاش تحت مظلة هذا المحور الاستراتيجي للمؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط الذي لم يحدد له موعد للبدء على وجه الدقة، يدفع بالقضية الفلسطينية الى الدوران حول نفسها لسنوات طويلة حتى تصبح قضية اقليمية معلقة بمؤتمر دولي يراوغ بالحوار المشبوه ويسعى الى النتائج المزيفة التي تمكن اسرائيل من الحصول على ما تريد، ويفقد نتيجة لذلك الفلسطينيون حقوقهم المشروعة في الاراضي المحتلة.

اذا نظرنا الى المحور الاستراتيجي الثالث للمؤتمر الدولي الجديد الخاص بالسلام في الشرق الأوسط لاتضح لنا بانه اخطر هذه المحاور الثلاثة لانه يتحدث بوضوح عن مفاوضات جديدة تلغي كل الجهد الدولي الذي بذل خلال الاحد عشر عاما الماضية، وما تم خلال هذه السنوات من معاهدات واتفاقيات بحجة المسعى الجدي الى مسارات سلمية تتسم بالرؤية المشتركة الفلسطينية الاسرائيلية، وهو حديث افك لان حجم التناقض بين الحق الفلسطيني والباطل الاسرائيلي يحول دون الوصول الى الرؤية المشتركة بينهما، ويعثر الخطى السريعة التي يتحدث عنها هذا المحور في الاتجاه الصحيح الذي هو في حقيقته الاتجاه الخاطئ بعد ان وصف القضية الفلسطينية المرتبط بها مصير شعب باكمله وحقوقه، بالنزاع على الارض، وسعى المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الاوسط بتسوية هذا النزاع بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وهم يدركون ان القضية الفلسطينية التي يتحدثون عنها في هذا المحور الاستراتيجي اكبر بكثير من مجرد نزاع يحتاج الى تسوية بين الطرفين المتنازعين عليه.

التلاعب بالالفاظ السياسية لغرض تسميات غير معبرة عن الواقع الحقيقي القائم باطلاق النزاع على ارض محتلة بين اصحابها الفلسطينيين والمستعمر لها الاسرائيلي، يدخل المؤتمر الدولي للسلام بالشرق الاوسط في متاهات العمل السياسي العبثي ليفرض المجابهة العسكرية بين الكفاح الوطني الفلسطيني المشروع والعدوان الاسرائيلي الجائر، ويحول دون المواجهة بالحوار في سبيل السلام.